وجاء أبو عثمان وفي بروز عينيه ما يجعلهما في وجهه شيئاً كعلامتي تعجب ألقتهما الطبيعة في هذا الوجه. وقد كانوا يلقبونه (الحدقي) فوق تلقيبه بالجاحظ، كأن لقباً واحداً لا يبين عن قبح هذا النتوء في عينيه إلا بمرادف ومساعد من اللغة. . . . وما تذكرت اللقبين إلا حين رأيت عينيه هذه المرة.
وانحط في مجلسه كأن بعضه يرمي بعضه من سخط وغيظ، أو كأن من جسمه ما لا يريد أن يكون من هذا الخلق المشوه، ثم نصب وجهه يتأمل، فبدت عيناه في خروجهما كأنما تهمان بالفرار من هذا الوجه الذي تحيا الكآبة فيه كما يحيا الهم في القلب؛ ثم سكت عن الكلام لأن أفكاره كانت تكلمه.
فقطعت عليه الصمت وقلت: يا أبا عثمان رجعت من عند رئيس التحرير زائداً شيئاً أو ناقصاً شيئاً فما هو يرحمك الله؟
قال: رجعت زائداً أني ناقص، وههنا شيء لا أقوله، ولو أن في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين. لوقفوا على عمك وأمثال عمك من كتاب الصحف يتعجبون لهذا النوع الجديد من الشهداء
وقال ابن يحيى النديم: دعاني المتوكل ذات يوم وهو مخمور فقال: أنشدني قول عمارة في أهل بغداد. فأنشدته:
ومن يشتري من ملوك مُخَرّم ... أبعْ (حَسنَاً وابني هِشامٍ) بدِرْهم
وأعطي (رجاَء) بعد ذاك زيادة ... وأمنحُ (ديناراً) بغير تندُّم
ويلي على هذا الشاعر. اثنان بدرهم، واثنان زيادة فوقهما العظم الدرهم، واثنان زيادة على الزيادة لجلالة الدرهم؛ كأنه رئيس تحرير جريدة يرى الدنيا قد ملئت كتاباً. ولكن ههنا شيئاً لا أقوله