وزعموا أن كسرى أبرويز كان في منزل امرأته شيرين، فأتاه صياد بسمكة عظيمة فأعجب بها وأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت له شيرين: أمرت الصياد بأربعة آلاف درهم، فإن أمرت بها لرجل من الوجوه، قال: إنما أمر لي بمثل ما أمر للصياد. فقال كسرى: كيف أصنع وقد أمرت له؟
قالت: إذا أتاك فقل له: اخبرني عن السمكة، أذكر هي أم أنثى؟ فإن قال أنثى. فقل له: لا تقع عيني عليك حتى تأتيني بقرينها، وإن قال غير ذلك فقل له مثل ذلك.
فلما غدا الصياد على الملك قال له: أخبرني عن السمكة، أذكر هي أم أنثى؟ قال: بل أنثى. قال الملك: فأتني بقرينها. فقال الصاد عمر الله الملك، إنها كانت بكراً لم تتزوج بعد. . .
قلت: يا أبا عثمان فهل وقعت في مثل هذه المعضلة مع رئيس التحرير؟
قال: لم ينفع عمك أن سمكته كانت بكراً، فإنما يريدون إخراجه من الجريدة وما بلاغة أبي عثمان الجاحظ بجانب بلاغة التلغراف وبلاغة الخبر وبلاغة الأرقام وبلاغة الأصفر وبلاغة الأبيض. . . ولكن ههنا شيئاً لا أريد أن أقوله.
وسمكتي هذه كانت مقالة جودتها وأحكمتها وبلغت بألفاظها ومعانيها أعلى منازل الشرف وأسنى رتب البيان وجعلتها في البلاغة طبقة وحدها. وقبل أن يقول الأوربيون (صاحبة الجلالة الصحافة) قال المأمون: (الكتاب ملوك على الناس). فأراد عمك أبو عثمان أن يجعل نفسه ملكاً بتلك المقالة فإذا هو بها من (صعاليك الصحافة).
لقد كانت كالعروس في زينتها ليلة الجلوة على محبها، ما هي إلا الشمس الضحاية، وما هي إلا أشواق ولذات، وما هي إلا اكتشاف أسرار الحب، وما هي إلا هي. فإذا العروس عند رئيس التحرير هي المطلقة، وإذا المعجب هو المضحك، ويقول الرجل: أما نظرياً فنعم، وأما عملياً فلا، وهذا عصر خفيف يريد الخفيف، وزمن عامي يريد العامي، وجمهور سهل يريد السهل، والفصاحة هي إعراب الكلام لا سياسته بقوي البيان والفكر واللغة، فهي اليوم قد خرجت من فنونها واستقرت في علم النحو وحسبك من الفرق بينك وبين القارئ العامي: إنك أنت لا تلحن وهو يلحن
قال أبو عثمان؛ وهذه أكرمك الله منزلة يقل فيها الخاصي ويكثر العامي فيوشك ألا يكون بعدها إلا غلبة العامية، ويرجع الكلام الصحافي كله سوقياً بلدياً (حنشصياً). وينقلب النحو