استعملت العرب كلمة (العزة) في مقابل (الذلة) فقالوا رجل عزيز ورجل ذليل. وجاء استعمال (العزيز والذليل) في القرآن متقابلتين، فقال تعالى:(أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين). وحكي عن المنافقين أنهم قالوا في حرب الغزوات:(لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، وهي كلمة قالها ابن أُبي، ويريد بالأعزة نفسه وصحبه، وبالأذلة محمداً (ص) وصحبه، فرد عليهم الله بقوله:(ولله العزة ولرسوله والمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون). وقد تصدى بعض المسلمين لأبن أُبي وسل سيفه عليه ومنعه من دخول المدينة، وقال: والله لا أغمده حتى تقول: (محمد الأعز وأنا الأذل) فقالها. والسبب في كل هذا أن العرب في الجاهلية كانوا يفهمون العزة في المال والجاه والرياسة والولد ونحو ذلك، فجعلها الإسلام في الدين الحق، وأداء الواجب للناس والله.
وأكثَر العرب من استعمال هذه الكلمة في الجاهلية والإسلام، فكان أبو جهل يقول:(أنا أعز أهل الوادي وأمنعهم)، وقال الشاعر:
بيضُ الوجوه كريمةٌ أحسابهم ... في كل نائبةٍ عِزَازُ الآنُفِ
وفسر الراغب الأصفهاني (العزة) بأنها حالة مانعة للإنسان من أن يُغلب، وجعل اشتقاقها من قولهم أرض عَزَاز أي صلبة، وتعزز لحم الناقة أشتد وصلب.
والحق في أن تحديد معنى العزة في منتهى الصعوبة، وأصعب ما في ذلك رسم الحد الفاصل بين العزة والكبر، وبين الذل والتواضع: وقديماً حاول الناس أن يفرقوا بينهما، فقد روى أن رجلاً قال للحسن بن علي:(إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً) فقال: (ليس بتيه ولكنه عزة). وروي عن عمر ابن الخطاب أنه قال:(اخشَوشِنوا وتَمَعْزَزُوا) كأنه خشي إذا أمر الناس بتعود الخشونة أن يلجئهم ذلك إلى احتقار النفس وذلتها فاستدرك ذلك بطلب المحافظة على العزة.
وحاول السهروردي أن يفرق بين العزة والكبر فقال:(العزة غير الكبر لأن العزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها، كما أن الكِبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منازلها)
ولست أدري لم أهمل علماء الأخلاق من المسلمين هذا الخلق فلم يكثروا الكلام فيه إكثارهم