للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسرحية (سليمان الحكيم)]

للأستاذ توفيق الحكيم

بقلم الدكتور محمد القصاص

- ٢ -

بعد الألاعيب والمفاجآت التي تكلمنا عنها في المقال السابق يرجع سليمان فجأة عن فكرته في استمالة قلب بلقيس إليه بعد أن أمعن في تعذيبها والسخرية منها حتى في أشد ساعات محنتها؛ فيتوب إلى الله ويخلو إلى تأنيب ضميره اللاذع وجحيم شعوره بسقطته، كما تعدل بلقيس عن (البصبصة) لمنذر وتبارك زواجه من شهباء حبيبته، ثم تغفر لسليمان زلته وتبالغ في الغفران، وتعزيه في محنته حتى لكأنها تهنئه على أن هيأت له (الأقدار) هذه الفرصة السعيدة لتطهره من الأدران. أو ليست هي التي تجيبه وهو يأسى على ما وقع منه: (من هذه الأخطاء تبرز أحيانا بصائرنا متفتحة. . . كما تتفتح الأزهار النابتة في الأوحال).! وهكذا يستقر كل أمر في نصابه: فقد أرغمت القوة الخفية سليمان إرغاما على حب بلقيس، وأرغمت بلقيس إرغاما على ألا تبادل سليمان حبا بحب، وكذلك الحال بالنسبة لبلقيس ومنذر سواء بسواء. ومن ذلك يعرف العاشقان غير المعشوقين (إن الحب قدر صارم يضرب ضربته حيث يريد هو لا حيث نريد نحن). فتهدأ نفساهما، ويندمان على أن لم يعرفا منذ البداية، ويباركان السماء أن جعلت الأشياء على ما هي عليه، (إذا لا ينبغي أن نكره هذا كثيرا. . . يجب أن تكون فينا زهرة لم ترو، وجوع لم يشبع، ورغبة لم تنل، وصيحة لم تسمع. . . بهذا نستطيع أن نكون جديرين حقا بالحكمة والتمييز، خليقين بفهم القلب الإنساني ومخاطبته، قادرين على أن نحمل إليه العزاء ورسالات السماء.) والغريب بعد هذا الكشف العجيب، كشف أن كل ما كان قد كان لغاية، بل لخير الغايات على حد تعبير فلتير متهكما على لسان بنجلس (وإن كان ذلك قول يتنافى مع فكرة الأستاذ الحكيم الأساسية) نقول الغريب بعد هذا أن يستمر سليمان في حزنه وندمه حتى يقضي الحزن والندم على حياته. ولكن لعل ذلك من فعل (القوة الخفية) لغاية في نفسها أيضا.

هذه هي الفكرة التي هدف المؤلف إلى إبرازها في كتابه، وتلك طريقة عرضها. وقد رأينا

<<  <  ج:
ص:  >  >>