للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دير مِديْان

للأستاذ صلاح الدين المنجد

قال الشابشتي: (وهذا الدير على نهر (كرخايا) ببغداد؛ وكرخايا نهر ينبثق من المحوّل الكبير ويمر على العباسية ويشق الكرخ ويصبُّ في دَجلة، وكان قديماً عامراً والماء فيه جارياً، ثم انطمْ انقطعت جريته بالبثوق التي انفتحت في الفرات.

وهو دير حسنٌ نَزهٌ حوله بساتين وعمارة؛ ويُقصد للتنزه والشرب. ولا يخلو من قاصد وطارق. وهو من البقاع الحسنة النزهة. وللحسين بن الضحاك فيه:

حث المدام فإن الكأسَ مترعةً ... مما يهيج دواعي الشوق أحياناً

إني طربت لرهبانٍ مجاوبة ... بالقدس بعد هدوِّ الليل رهبانا

فاستنفرتْ شجناً مني ذكرتُ به ... كرخَ العراق وأحزاناً وأشجانا

فقلتُ والدمعُ في عينيَّ مطّردٌ ... والشوق يقدح في الأحشاء نيرانا

يا دير مِدْيان لا عُرِّيت من سَكنٍ ... ما هِجْتَ من سَقمٍ يا دير مِدْيانا

هل عند قَسِّك من علم فيخبرني ... أن كيف يسعد وجه الصبر من بانا

سَقياً ورعياً لكرخايا وساكنه ... بين الجنينة والروحاء من كانا

قال: وكان أبو علي بن الرشيد يلازم هذا الدير ويشرب فيه. وكان له قيان يحملهم إليه ويقيم به الأيام لا يفتر عزفاً وقصفاً. وكان شديد التهتك، وكان من يجاور الموضع يشكون ما يلقون منه. فانتهى الخبر إلى اسحق بن إبراهيم الطاهري وهو خليفة السلطان ببغداد؛ فوجّه إليه يقبّح له فعله وبنهاه عن المعاودة لمثله. فقال: (وأيّ يد لإسحاق عليّ وأيَّ أمر له فيَّ؟. . . أتراه يمنعني من سماع جواريَّ والشرب بحيث أشتهي. . .؟) فلما أتاه هذا القول منه أحفظَه، وأمهل حتى إذا كان الليل ركب إلى الموضع وأحاط به من جميع جهاته. وأمر أن يُفتح باب الدير وينزلَ به على الحال التي هو عليها. فأنزل به وهو سكران في ثياب مصبَّغة، وقد تضمخ بالخلوق فقال: سوءة لك! رجل من ولد الخلافة على مثل هذه الحال؟) ثم أمر ففُرش بساط على باب الدير وبُطح عليه وضربه عشرين درَّة، وقال: إن أمير المؤمنين لم يولني خلافته حتى أضيَّع في الأمور وأهملها، ولا حتى أدعك وغيرك من أهله تعرفونه وتفضحونه وتخرجون إلى ما خرجت إليه من التبذل والشهرة وهتك الحرمة إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>