لقد كان في فرنسا في ذلك الوقت كاتب يجب أن لا تنسوه أبدا. كان أكبر عقلا وأرجح فكرا من كل أولئك جميعا. كان حينئذ خصمنا ولكنه كان يؤمن بالواجب، واجب تضحية الحياة جميعها للصالح العام والسعي وراء الحقيقة ونصرتها. درس الناس والظروف دراسة عميقة، ولم يقبل أن يضله غرور الثناء أو يثبط اليأس عزمه. فكان إذا سار في طريق وفشل لجأ إلى سبيل آخر سعيا منه وراء تحسين حال الجماهير. ولما أرته الحوادث أنه لا يوجد غير قوة واحدة قادرة على تحقيق هذا الغرض، أي حينما أثبت الشعب أنه في ميدان العمل أفضل وأصدق إيمانا من كل من يتظاهر بخدمة قضيته أصبح ذلك الرجل (لأمينيه) مؤلف كتاب (كلمات مؤمن) الذي قرأتموه جميعا، أصبح رسول القضية التي تجمعنا فيها آصرة الأخوة. إنكم ترون بينه وبين الرجال الذين تحدثت عنهم الفارق بين أصحاب نظرية (الحقوق) وبين دعاة الواجب. فالأولون حينما يحصلون على حقوقهم الذاتية يغشي نفوسهم ميل رجعي فيجمد بهم العزم عن متابعة الجهاد. أما الآخرون فلا ينتهي عملهم في هذه الأرض إلا بانتهاء حياتهم.
وإذا كانت هناك شعوب يغلب عليها الاستعباد، ولا يسلم فيها الكفاح من ألوان الظلم والاضطهاد، ولا تكاد تتحقق فيها خطوة واحدة نحو الإصلاح إلا ببذل النفوس وإراقة الدماء، وحيث يلزم أن تكون المساعي المبذولة في محاربة المظالم العليا محوطة بسياج من الكتمان والخفاء، غنية عن سلوى الشهرة ونشوة الثناء أي عهد وأي حافز على المثابرة يحمل ناسا في تلك الشعوب على الثبات في سبيل التقدم بينما هم ينحدرون بالجهاد الشعبي المقدس إلى حضيض النزاع من أجل حقوقهم فحسب؟
أرجو أن تتذكروا أني أتكلم عن العموميات لا عن الشواذ التي تعرض في جميع مذاهب