كان القرن الثامن عشر عصر الخفاء في أوربا، تزدهر فيه الدعوات والحركات السرية، ويزدهر فيه أقطاب الدعاة السريين؛ ففي أوائله نرى حركة البناء الحر (الماسونية) تتغلغل في أنحاء أوربا، وتقوم طائفة أخرى من الحركات والجمعيات السرية؛ وفي أواخره نرى طائفة من أقطاب المغامرين الذين يتشحون بأثواب الخفاء والشعوذة يجوبون أوربا من أقصاها إلى أقصاها، ويثيرون الروع والدهشة أينما حلوا؛ ولهؤلاء الدعاة المغامرين سير عجيبة تفيض بها سير القرن الثامن عشر، وتبدو كأنها قصص مغرق، بيد أنها ترجع في الغالب إلى كثير من الحقيقة، وكل ما هنالك أن هذه الحقيقة يكتنفها كثير من الغموض والخفاء يرجع إلى ظروف العصر والمجتمعات التي ظهر فيها أولئك الدعاة المغامرون
ومما يلاحظ أن معظم المغامرين والدعاة السريين الذين ظهروا في هذه الفترة هم يهود أو ينتمون إلى أصل يهودي، وأن معظم الحركات والدعوات السرية التي ازدهرت فيها ترجع أيضاً إلى أصل يهودي، أو نلمس فيها على الأقل وحي الدعاية اليهودية؛ وهذه الملاحظة ترجع في الواقع إلى ظاهرة تاريخية أعم، وهي أن اليهودية كانت منذ العصور الوسطى مستقى أو مبعثاً لكثير من الحركات والجمعيات السرية التي قامت في أوربا، ومعظمها يرمي إلى غايات هدم دينية أو اجتماعية، تقصد بها النصرانية ومبادئها وعقائدها قبل كل شيء
وقد كانت (الكابالا) اليهودية منذ العصور الوسطى أكبر مصدر لهذه الدعوات والرموز السرية. والكابالا شهيرة في تراث اليهودية الروحي والفلسفي، وهي عبارة عن مزيج من الفلسفة والتعاليم الروحية، والرموز السحرية، يتوارثها أحبار اليهودية ودعاتها منذ أقدم العصور، وأخص تعاليمها الروحية أن الله وهو الكائن المطلق الخالد ينفث من نفسه إلى عالم الأرواح النقية، وأن روح الإنسان تنتقل من جسم إلى جسم حتى تعود في النهاية إلى