من العدد لا يحتمل أزيد ولا أنقص مما فيه، ويمتَحَن بالدنيا والدرهم أشدَّ مما يمتحن العابد بصلاته وصيامه. وقد شهد رجل عند عمر بن الخطاب في قضية فقال عمر: ائتني بمن يعرفك، فأتاه برجل أثنى عليه خيراً، فقال له عمر: أنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال فكنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورعُ الرجل؟ قال: لا
قال عمر: أظنك رأيته قائماً في المسجد يُهَمْهمُ بالقرآن يخفض رأسه طوراً ويرفعه أخرى. قال: نعم
قال: فاذهب فلست تعرفه
وإنما التاجر صورة من ثقة الناس بعضهم ببعض وإرادة الخير واعتقاد الصدق، وهو في كل ذلك مظهر توضع اليد عليه كما تجسُ اليدُ مرض المريض وصحته
فإذا عظمت الأمة الدينار والدرهم فإنما عظمت النفاق والطمع والكذب والعداوة والقسوة والاستعباد؛ وبهذا تقيم الدنانير والدراهم حدوداً فاصلة بين أهلها، حتى لتكون المسافة بين غني وفقير كالمسافة بين بلدين قد تباعد ما بينهما. وإنما هيبة الإسلام في العزة بالنفس لا بالمال، وفي بذل الحياة لا في الحرص عليها، وفي أخلاق الروح لا في أخلاق اليد، وفي وضع حدود الفضائل بين الناس لا في وضع حدود الدراهم، وفي إزالة النقائص من الطبع لا في إقامتها، وفي تعاون صفات المؤمنين لا في تعاديها، وفي اعتبار الغني ما يُعمل بالمال لا ما يجمع من المال، وفي جعل أول الثروة العقل والإرادة لا الذهب والفضة
هذا هو الإسلام الذي غلب الأمم، لأنه قبل ذلك غلب النفس والطبيعة