نقصد بتاريخ الأدب - هنا - كل ما يتناول الحياة الأدبية للأمة، مما يطرأ عليها من القوة أو الضعف، والصعود أو الهبوط، وأسباب ذلك، وما ينتجه أصحاب البيان في مختلف مناحي القول، ودراسة حياة أولئك المنتجين، وأثر ما انتضحت به قرائحهم في اللغة.
ونقصد بالتاريخ السياسي والاجتماعي - هنا أيضاً - ما يطرأ على الأمة من أحداث وتغيير في نظامها السياسي وعلاقة الحاكم بالمحكوم ونظام الحكم فيها، وعلاقة الأمة بغيرها من الأمم، وكذا حالتها الاقتصادية والمالية، وعلاقة ذلك بمرافقها.
وما سقنا هذا التعريف - وهو غير جامع ولا مانع - إلا لنحد به موضع البحث في الصلة بين التاريخين، وهي صلة وثيقة واشجة. فقلّ أن يتأثر أحدهما بعامل من العوامل دون أن يبدو لذلك أثر في الآخر يبدل وجهته ويغير ديباجته - ذلك مالا خلاف فيه. أما ما اشتجر فيه الرأي وظهر الخلف: فأيهما يسبق الآخر فيمهد له الطريق ويعبد له المسلك؟ وأيهما أبلغ أثراً في الآخر؟ وفي هذا نسوق الحديث:
فجمهرة الأدباء على أن التاريخ الأدبي يسبق السياسي والاجتماعي: فينهج له السبيل، ويمهد له المنبت: فينشأ قوياً أو ضعيفاً، منتجاً أو عقيماً، حسبما تهيأ له.
وأغلب الظن أن هذا القول على إطلاقه لا يقصد به أن يكون قاعدة يعتبر ما شذ عنها استثناءً؛ ذلك بأن استقصاء تواريخ الأمم وتقريه يقف بنا في مراحل عدة نجد فيها التاريخ السياسي والاجتماعي سابقاً للتاريخ الأدبي، مؤثراً فيه أثراً عليه طابع السياسة وسمتها. بحيث لا يسع مؤرخ الأدب إلا أن يعترف بفعل السياسة فيه، وأثرها في أكثر مظاهره ونواحيه؛ ونزول الأدب على حكم السياسة، وكثرة هذه المراحل لا نطمئن معها إلى القول بأنها استثناء للقاعدة، ولعل من الخير ألا نقرر قاعدة بعينها في تحديد هذه العلاقة.
فالأمم الحية القوية التي نالت حظاً من الحضارة والحرية، إذا وقع فيها انقلاب سياسي أو اجتماعي، أو قلبت صفحة جديدة في سجل حياتها السياسية قل أن يحدث فيها هذا الانقلاب دون أن تسبقه نهضة أدبية تهيئه للوجود، وتعده للنهوض بما تفعل في الشعب من إيقاظ الشعور حتى الإحساس بضرورة التغيير، وحفز الهمم حتى تصدق العزائم على المضي إلى