هكذا قلت لصديقي ونحن نسمر في فندق مصر بمكة، ونستعرض تاريخ تلك الحروب الدامية التي نشبت بين مصر والحجاز في عهد محمد علي الكبير.
وأتصل بنا الحديث فتناول تاريخ الدعوة الوهابية، التي تعتبر إحدى انتفاضات ثلاث كان لها شأن كبير في تاريخ الحركات الدينية والسياسية في العالم العربي: الوهابية في جزيرة العرب، والسنوسية في شمال إفريقية، والمهدية في السودان. .
فما هي البواعث الحقيقية لتلك الحروب التي شنها محمد علي وأولاده على الحجاز؟
وما هي حقيقة الدعوة الوهابية وأهدافها الدينية والسياسية؟
أما هذه الدعوة، فهي - كما قلت - إحدى الانتفاضات الدينية التي أنفعل بها العالم العربي، والتي كانت منبعثة من صميم الإحساس بما وصلت إليه كل المسلمين من الجهل بحقيقة الإسلام، وتدهور العقيدة وتحلل مقوماتها في النفوس، مما تخلف بهم عن مكانهم الطبيعي في الصدارة، وجعلهم خولاً للأجنبي، يطأ أعناقهم ويستولي على بلادهم، ويسلبهم ما بقي من مقومات حياتهم وميراث تاريخهم. .
وفي قرية (عيينة) من قرى نجد ولد محمد عبد الوهاب صاحب هذه الدعوة، في مطلع القرن الثامن عشر. وقضى صدر شبابه مرتحلاً إلى الأحساء والحجاز والبصرة وبلاد فارس: وتتلمذ على ما كتبه أبن تيمية وأتباعه، وخاصة أبن القيم وأبن كثير، وهم من الأئمة السلفيين الذين كان لهم في تاريخ التوحيد الإسلامي جهود ضخمة، ردت إليه اعتباره وجددت شريعته السمحة البيضاء.
إذن فقد أجتمع للرجل في اتصاله بحياة المسلمين في كثير من الأقطار، وفي فقهه لأسرار الشريعة الإسلامية؛ ما ملأ قلبه غيرة على حال المسلمين، وحسرة على ما وصلوا إليه من جهالة وضعف وانحلال. وحفزه ذلك إلى الجهاد في سبيل تجديد إيمان هذه الأمة، وتسديد عزائمها إلى مواطن العزة والشرف.