موضوع ثار فيه الجدل بين الكتَّاب، واحتدم فيه الخلاف بين الباحثين. هل أدبنا العربي يحتاج إلى تجديد؟ وهل سواء في ذلك شعره ونثره؟ وتعصب قوم للقديم يذودون عنه ويحافظون عليه، ولا يسمحون بأي تغيير فيه. وهب المحدثون ينعون علىالمحافظين جمودهم، وينذرونهم بسوء العاقبة إن هم ظلوا متمسكين بالقديم معرضين عن الجديد.
ولكن أسوأ ما يسوئني في هذا الموضوع وأمثاله الغموض والإبهام؛ فإذا سألت المجددين ماذا يريدون بالتجديد وما ضروبه وما مناحيه وماذا يقترحون أن يدخلوه على الأدب العربي جمجموا بالقول وأتوا بكلمات غير محدودة المعنى، ولا واضحة الدلالة. وقد يجوز إذا حددوا أغراضهم وأبانوا عن مقاصدهم، أن يوافقهم المحافظون أو أكثرهم، ولا يكون ثمة خلاف، وإن يكن فخلاف معروف تقام عليه حجج واضحة.
من أجل هذا كله أحاول أن أعرض لوجوه التجديد التي يخيل إليّ أنهم يريدونها، وأدلي برأيي فيها، وأدعو الكتاب أن يساهموا فيها بآرائهم، ويستدركوا ما يفوتني من حججهم وأغراضهم:
في أدب كل لغة عناصر ثابتة لا يعتريها تغير ولا ينالها تجدد، هي قدر مشترك من الأسلوب والتراكيب وتأليف الجمل؛ به تمتاز اللغة من سائر لغات العالم. وينفرد أدب الأمة عن آداب العالم، وقدر مشترك من الفن، نتبين به الجيد من الأدب في كل عصر وكل جيل، هو فوق البيئة وفوق العوامل السياسية والاجتماعية، وفوق ما يطرأ عليها من كل تغيير.
وهذا وذاك هما اللذان يجعلاننا نتذوق الأدب الجاهلي، وندرك ما فيه من جمال، ونشعر بما فيه من نقص. ويستطيع الأديب منا أن يعرف خير ما قال امرؤ القيس، وما قال طرفة، وما قال زهير؛ وهو الذي يجعلنا نتذوق ما في القرآن الكريم من جمال في الأسلوب والمعنى. وندرك ما في العصر العباسي إلى عصرنا هذا من نثر وشعر، ونزنه ونقومه، ونحكم على بعضه بالحسن والجمال والقوة، وعلى بعضه بالضعف والقبح والغموض.