للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فلسطين المنكوبة]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

أعجب أعاجيب الاستعمار في هذا الزمان مشروع التقسيم الذي اقترحته لجنة (اللورد بيل) للتوفيق بين العرب واليهود في فلسطين - أو على الأصح للتوفيق بين العهود المتناقضة التي قطعتها بريطانيا للعرب أولاً ثم لليهود من بعد ذلك. وتزعم بريطانيا الآن أن فلسطين لم تكن داخلة في ما عنته بالبلاد العربية التي وعدت بمساعدتها على الاستقلال. وقد فند الأمير عبد الله هذا الزعم بمذكرة بعث بها إلى المندوب السامي في فلسطين وأورد نصوص الرسائل والتصريحات البريطانية التي لا يبقى معها ظل من الشك في أن فلسطين كانت داخلة في جملة البلاد العربية الموعودة بالاستقلال والحرية. على أن الأمر ليس أمر رسائل أو ما يجري مجراها وإنما هو أمر بلاد لا شك في أنها عربية من قديم الزمان وأن حق العرب فيها وهم أهلها لا ينكره إلا مكابر ذو غرض، أو كما قال الأمير عبد الله في مذكرته: (إن حق العرب في بلادهم فلسطين صريح لا يحتاج إلى وثيقة أو وعد، فهم أهلها منذ أجيال، وفي إقامة متصلة بها، وهم على الرغم مما اجتاحهم من حروب وتكابدهم من خطوب لم يفرطوا فيها ولم يتحولوا عن شبر منها). ومن غرائب ما تجئ به الأيام أن اليهود عاشوا في كنف العرب أحراراً آمنين على أموالهم وأرواحهم لا يتقون شراً ولا يخشون أذى ولا يتعرضون لاضطهاد ولا يسامون تضييقاً ولا حجراً، على حين كانوا في أوربا يعدون (أنجاساً) منبوذين، لا يواكلهم أحد ولا يشاربهم ولا يجلسهم إلا دونه. فإذا احتاج إلى مال يقترضه منهم دعاهم إليه وعنف بهم وبسط فيهم لسانه أقبح البسط وأبذأه وأخذ المال وركلهم. ومن شاء فليقرأ رواية السير (وولتر سكوت) عن عصر ريتشارد قلب الأسد وليتأمل كيف كان القوم يعاملون اليهود وبأي عين كانوا ينظرون إليهم. فإن قيل هذا كان عصر جهالة وعماية قلنا فما الرأي في هذا العصر وما يلقى فيه يهود أوربا من العنت والعسف والجور والتحقير والمهانة؟ - كتبهم تحرق، وأموالهم تصادر، وعماؤهم ينفون من الأرض، وجنسهم يعير بأنه دون الجنس الآري، ومعاملتهم ومخالطتهم ومصاهرتهم محرمة، حتى اتخاذ الخدم منهم جريمة تستوجب العقاب. وأوربا التي تنكبهم هذه النكبة وتسومهم هذا الخسف ولا يرتفع فيها صوت بالدفاع عنهم واستهجان ما يحل بهم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>