حكاية أن (الأدب تعبير عن الحياة) حكاية معروفة من معاد القول الحديث عنها. وإن كان تفسيرها وتطبيقها لا يزالان موضع اختلاف عند استعراض النماذج. والنموذج في الفن أبلغ دائماً في بيان المذهب من النظريات العامة.
وقد تحدث الأستاذ (محمد مندور) في مقالات ثلاث بالثقافة عن (الشعر المهموس) ثم تحدث في العدد الماضي عن (النثر المهموس) وأعاد قصة (الشعر المهموس)
وفي جميع هذه الكلمات كان مندفعاً لأن يثبت أن أدباء المهجر هم (شعراء اللغة العربية) وأن (بين شعرهم وشعر الكثير من شعراء مصر قرونا) وكذلك نثرهم الشعري
وليس يسوءني ولا يسوء أدباء مصر أن يكون الأمر كذلك حقيقة، فالتعصب هنا لا محل له؛ ولكن الذي يهمني ويهم أدباء مصر ويهم الأدب في ذاته، أن (النماذج) التي جاء بها والدعوة التي يدعو بها إلى هذه النماذج هي توجيه مؤذٍ في فهم الأدب وفهم الحياة!
وأنا أفهم مثلا أن يحب الأستاذ مندور أو سواه لوناً خاصاً من ألوان الأدب، فتلك مسألة مزاج؛ ولكن الذي لا أفهمه أن يصبح هذا اللون الواحد دون سواه هو الأدب الصحيح الراقي المتقدم، وأن يكون ما عداه من الألوان مرة (سخيفاً) كما يقول عن شاعر كبير معاصر، وطوراً خطابياً كما يقول عن شاعر كبير قديم. . . فذلك ضيق في الإحساس، يجوز أن يقنع به قارئ يتذوق ويلذ له لون واحد من الغذاء الروحي؛ ولكنه لا يصلح لمن يتصدى للنقد والتوجيه
وما اللون المفضل الذي يدعو إليه الأستاذ؟
من جميع النماذج التي اختارها حتى الآن - والنموذج كما قلت أكثر دلالة من الشرح العام - أستطيع أن أسمي هذا اللون باللون (الحنيّن) حسب تعبير أولاد البلد من القاهريين!
الذي تحس فيه (بالحنيّة) أو بالهمس والوداعة الأليفة حسب تعبيره هو!