ما أغرب هذا العلم علم المكروبات، وما أعجب ما كان من أمره في يوم وُلد!
بدأ هذا العلم رجلٌ قماش لم يُثقف ثقافة مذكورة، ومع ذلك كان أول راءٍ رأى المكروبات، ثم جاء كيميائي فأوجد للمكروبات مكانة ذات بال في خريطة الوجود، وأرعب الناس منها وأرعد. ثم تلاه طبيب قرية، فجعل من صيادة المكروب شيئاً منظماً قارب أن يكون علماً صحيحاً. وأراد فرنسي وألماني أٍن ينجوا بالأطفال من سم مكروب من أقتل المكروبات، فجزرا في سبيل ذلك أعدادا لا تحصى من الخنازير الغينية ومن الأرانب لو تراكمت لبلغت أكواماً كالجبال. إن تأريخ صيد المكروب تأريخ مليء بالخاطرات الجميلة، والإيحاءات النادرة؛ ولكن به كذلك كثير من الغباوات المدهشة، والمتناقضات المجنونة. ولا يختلف تأريخ علم المكروب في هذا عن تأريخ علم الحصانة وهو العلم الذي لا يزال ناشئاً، وبه تتفسر لنا مناعة الإنسان من المكروب، فالذي بدأ هذا العلم، على نحوٍ ما، هو رجل باحث كثير الاهتياج، قليل الاتزان، ذو جنة تعاوده كثيراً.
وكان هذا الرجل يهودياً يدعى إيلي متشينيكوف ولد في جنوب روسيا عام ١٨٤٥، وقبل أن يبلغ العشرين قال لنفسه:(إني ذو غيرة وذو مقدرة، وقد حبتني الطبيعة مواهب راجحة، وأنا أطمع أن أكون بحاثاً كبيراً) وذهب هذا الشاب إلى جامعة خركوف واستعار من بعض أساتذته مجهراً، وكانت المجاهر عندئذ نادرة، وأخذ ينظر فيها نظرات لم تكن دائمة بينة واضحة، ومع هذا قام على أثرها فكتب مقالات علمية طويلة، وذلك قبل أن يعلم ما العلم وما كنهه وما جوهره، وغاب أشهراً عن فصول الجامعة وعن دروسها؛ ولم يكن للعب غاب ولكن للقراءة؛ ولم تكن قراءة القصص والنوادر، ولكن قراءة مؤلفات كبيرة في العلم مثل كتاب:(بلورات لأٍجسام زلالية) وغير ذلك كان يقرأ كتيبات ونشرات لو أطلع