للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المنبوذة]

- ١ -

جمعني مجلس من مجالس المنصورة الأدبية ببعض السيدات الحديثات من اللائي يتزعمن دعوات الخير، ويتصدرن حفلات التكريم، ويفشين أندية الرياضة. وكان مجلسي من الصالون بين سيدتين رشيقتين أنيقتين لهما اطلاع على الأدب ومشاركة في الثقافة. فجرى الحديث بينهما وبيني أول الكلام فيما يشغل الناس من أمر فلسطين ومصير اللاجئين؛ ثم أفضى إلى ذكر ما تبذلان من الجهد الجاهد في معونة الهلال الأحمر ومبرة محمد علي، فنم سياق حديثهما وما شاب أداءه من نبرات الزهو وحركات العجب على ما تضمران من حب الظهور ورغبة الشهرة، في طوايا ما تظهران من حب الخير ورغبة المنفعة. والمرأة الجميلة الفتية لا تجد في الحياة المصرية مظهراً لفتنتها، ولا معرضاً لزينتها، ولا سبيلاً لشهرتها، إلا في الحفلات الخيرية والخدمات العامة: فهي تشترك فيها بالشعور والحضور لتظهر، وتتبرع لها بالجمال والمال لتذكر. بله ما تشعر به من الرضا والغبطة بمنافستها للرجل في ميدان عمله، ومساعدتها للوطن على تحقيق أمله.

ثم انتقلنا إلى حديث الأدب فذكرتني إحداهما بما كتبته في الرسالة عن (مثل المرأة الحديثة) فشكرت بعضه وأنكرت بعضه. وكان الذي أنكرته ما يرمي إلى تقييد المرأة وقصر كفايتها على تربية وتدبير البيت ومعاونة الرجل. ثم مضت تنوه بما يكون للمرأة الحرة المستقلة من أثر في الأسرة وبلاء في المجتمع إذا شاء الرجال أن يفردوها بشؤون البيت ويشركوها في أمور الوطن. وفي اللحظة التي كانت تقول فيها: (إن المرأة روح الأمة والرجل جسمها وإن الزوجة رأي الأسرة والزوج عزمها، طغى على صوتها الحماسي صوت سيدة نصف كانت تتحدث في تأثر وامتعاض إلى هلال من عقائل المدينة فيهن ربة الدار؛ فأصغتا وأصاخ الجلوس فإذا هي تروي حادث الطلاق الذي وقع في الأيام الأخيرة بين فتى محافظ أبوه من نبلاء الريف، وبين فتاة حرة أبوها من أطباء المدينة. وكان سبب هذا الطلاق الذي أعقب الزواج أن العروس كانت مغرقة في التحرر، مسرفة في التجدد، فسعت بنفسها على أسرة العريس، ورمت حماها بالرجعية وحماتها بالأمية، وطلبت أن تسيطر على أرزاق البيت وعلى أذواق أهله، فتبدل أثاث الغرف كل سنة، وتغير زي النساء كل شهر، وتقيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>