للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قصيدة مترجمة]

لحوم البحر. . .

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

لكأنما والله قد تمدد على سيف البحر في إسكندرية شيطانٌ ماردٌ من شياطين ما بين الرجل والمرأة. يخدع الناس عن جهنم بتبريد معانيها. . وقد امتلأ به الزمان والمكان؛ فهو يرعش ذلك الرمل بذلك الهواء رعشة أعصاب حية؛ ويرسل في الجو نفخاتٍ من جرأة الخمر في شاربها ثار فعربد، ويطلع الشمس للأعين في منظر حسناء عريانة ألقت ثيابها وحيائها معاً؛ ويرخي الليل ليغطي به المخازي التي خجل النهار أن تكون فيه.

ولعمري إن لم يكن هو هذا المارد فما أحسبه إلا الشيطان الخبيث الذي ابتدع فكرة عرض الآثام مكشوفة في أجسامها تحت عين التقي والفاجر لتعمل عملها في الطباع والأخلاق؛ فسول للنساء والرجال أن ذلك الشاطئ علاج الملل من الحر والتعب حتى إذا اجتمعوا فتقاربوا، فتشابكوا، سول لهم الأخرى أن الشاطئ هو كذلك علاج الملل من الفضيلة والدين.

ولئن لم يكن اللعينان فهو الرجيم الثالث، ذلك الذي تألى أن يفسد الآداب الإنسانية كلها لفساد خلقٍ واحد، هو حياء المرأة؛ فبدأ يكشفها للرجال من وجهها ولكنه استمر يكشف. وكانت تظنه نزع حجابها فإذا هو أول عريها. . وزادت المرأة، ولكن بما زاد فجور الرجال، ونقصت ولكن بما نقص فضائلهم، وتغيرت الدنيا وفسدت الطباع. فإذا تلك المرأة ممن يقرونها على تبذلها بين رجلين لا ثالث لهما: رجل فجر ورجل تخنث. .

هناك فكرة من شريعة الطبيعة هي عقل البحر في هؤلاء الناس، وعقل هؤلاء الناس في البحر؛ إذا أنت اعترضتها فتبينتها فتعقبتها، رأيتها بلاغة من بلاغة الشيطان في تزيينه وتطويه، وأصبت فكره مستقراً فيها استقرار المعنى في عبارته، آخذاً بمداخلها ومخارجها. وما كان الشيطان عيياً ولا غبياً، بل هو أذكى شعراء الكون في خياله، وأبلغهم في فطنته، وأدقهم في منطقه، وأقدرهم على الفتنة والسحر. وبتمامه في هذا كله كان شيطاناً لم تسعه الجنة إذ ليس فيها النار، ولم ترضه الرحمة إذ ليس معها الغضب، ولم يعجبه الخضوع الملائكي إذ ليس فيه الكبرياء، ولم يخلص إلى الحقيقة إذ لا تحمل الحقيقة شعر أحلامه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>