تشغل فرنسا منذ أسابيع بإحدى هذه الفضائح المالية الكبرى التي لا تقف آثارها عند اختلاس مئات الملايين ونكبة آلاف الضحايا، ولكنها تتغلغل في جميع نواحي الحياة العامة، وتثير في الشعب روحا جديدا من السخط والريب في سلامة النظم القائمة التي تحدث في ظلها أمثال هذه الفضائح المروعة. والحادث الذي نعنيه هو فضيحة ستافسكي التي يتتبع الشعب الفرنسي، والرأي العام العالمي تفاصيلها وتطوراتها بمنتهى الدهشة، والتي كان من خطورتها وفداحة آثارها أن سقطت وزارة مسيو شوتان بعد أن حاولت عبثا أن تغالب العاصفة وأن تهدئ روع الرأي العام.
ولا بد قبل أن ندخل في تفاصيل هذا الحادث العجيب أن نشير إلى أن هذه الفضائح المالية الكبرى لم تبق في عصرنا حوادث شخصية أو فردية يسئل عن تدبيرها أفراد معينون، وتحصر نتائجها وآثارها في حدود معينة، بل غدت بالعكس ظاهرة بارزة في سير المالية العليا، وظاهرة من ظواهر الحياة العامة حيثما تبلغ النظم الاقتصادية ذروة التعقيد والتقدم. وتقع في جميع الأمم الأوربية من آن لآخر حوادث من هذا النوع، وتحدث دائما آثارها السياسية والاجتماعية؛ ولكن هنالك حقيقة واضحة: هي أن هذه الحوادث تكثر في فرنسا بنوع خاص وتمتزج امتزاجا قويا بحياتها العامة، وتتخذ فيها صورا هائلة مثيرة، وتلقى دائما سحبا من الريب على كثير من الرجال المسئولين. ونستطيع أن نمثل لذلك بأمثلة عديدة من حوادث العصر الحديث؛ من ذلك فضيحة شركة باناما التي أسسها فردينان دي لسبس سنة ١٨٨١ لتقوم بحفر قناة باناما، ثم انهارت دعائمها لأعوام قلائل بعد أن اتسعت أعمالها اتساعا هائلا وكثرت قروضها وعجزت عن الوفاء بتعهداتها، وكشف التحقيق القضائي عن اشتراك كثير من النواب والشيوخ في أعمالها والدعوة إلى تعضيدها اشتراكا مريبا، وأحيل بسببها وزير سابق وبعض الشيوخ على محكمة الجنايات سنة ١٨٩٢، وقضي على الوزير بالسجن. ووقعت في أوائل هذا القرن بفرنسا عدة فضائح مالية أخرى، بيد أنها لم تكن بمثل هذه الخطورة. ووقعت منذ أعوام قلائل فضيحة (الجازيت ده فرانك)