في هذا الأسبوع، وفي بغداد عاصمة العلم القديمة، يحتفل العالم الإسلامي بالذكرى الألفية لمولد الطبيب العالم الفيلسوف أبي الحسن بن سينا واحد فنه في الشرق والغرب، ونادرة عصره في الطب والحكمة، وأحد العباقرة العالميين الذين رفعوا قواعد العلم، ونهجوا سبل المعرفة، ووصلوا ما انقطع من تسلسل الفكر الإنساني بين الفلسفة الإغريقية القديمة، والفلسفة الأوربية الحديثة.
ولد أبو علي سنة ٣٧٠هـ في قرية من قرى بخاري كان أبوه عاملاً عليها للأمير نوح بن منصور الساماني، ثم توفى سنة ٤٢٨هـ بهمدان إحدى مدن إيران كان قد وفد إليها على الأمير علاء الدولة البويهي، فكان معظم حياته على هذه الأرض ثمانية وخمسين عاماً قضى أكثرها في الاضطراب والاغتراب والنفي والسجن والخوف والشهوة والمرض، ومع كل أولئك استطاع أن يكون يحر العلم الزاخر في وقته، وبدر العلماء الزاهر في جيله، فقرأ كل كتاب وانتفع منه، وحذق كل علم وزاد فيه، وألف مائة سفر في الطب والفلسفة والمنطق واللغة والموسيقى والرياضياتوالطبيعيات والإلهيات والأساطير؛ وكان أول عالم ظهرت في علمه الفلسفة الكلامية على أتم ما كانت من الدقة والسعة والوضوح. ثم كان هو والبيروني الغاية التي لم يكن وراءها مذهب الفكر في القرون الوسطى: هو بدقة نظامه وبراعة فهمه، والبيروني بقوة ملاحظته وسعة علمه.
ربي أبن سينا منذ الخامسة من عمره تربية علمية منظمة، فحفظ القرآن وثقف الأدب وشدا شيئاً من الحساب والفقه. ثم سمع في محاورة أبيه لأخيه وهما شيعيان كلاماً في النفس والعقل، وإشارة إلى الفلسفة والهندسة، فصبت نفسه إلى علم ذلك. وورد يومئذ بخاري أبو عبد الله الناقلي فأقرأه في المنطق إيساغوجي، وفي الرياضة المجسطي، فكان الأستاذ يقف عند المبادئ والظواهر، والتلميذ يغوص على المسائل فيستخرج الدقائق، ويمحص الحقائق، ويبصر المعلم بما لم يبصر. ثم رغب في علم الطب فتلقى أصوله على أبي سهل المسيحي، واستقصى فروعه وحده حتى انتهت إليه الزعامة فيه. كل ذلك وسنه على ما قال هو نفسه لم يتجاوز السادسة عشرة. ثم أبرأ الأمير نوح ابن منصور من مرض برح به،