قلت في كلمتي السابقة عن اللون المفضل من ألوان الأدب الذي يدعو إليه الأستاذ مندور
(من جميع النماذج التي اختارها حتى الآن - والنموذج كما قلت أكثر دلالة من الشرح العام - أستطيع أن أسمي هذا اللون باللون (الحِنَيّن) حسب تعبير أولاد البلد من القاهريين! الذي تحس فيه (بالحنية) أو بالهمس والوداعة الأليفة حسب تعبيره هو)
ولست أحب أن أظلم الأستاذ (مندور) ولا أن أشوه صورة اللون الأدبي المفضل لديه. فليس في الأمر ما يدعو إلى هذا العناء، أو هذا الالتواء. فأنا أسجل له هنا - في الرسالة - بعض الشرح لما يريده نقلاً عن (الثقافة). قال في أحد الأعداد:
(الهمس في الشعر ليس معناه الضعف، فالشاعر القوي هو الذي يهمس، فتحس في صوته خارجاً من أعماق نفسه في نغمات حارة؛ ولكنه غير الخطابة التي تغلب على شعرنا فتفسده، إذ تبعد به عن النفس، عن الصدق، عن الدنو من القلوب)
ثم قال في عدد آخر:
(وبعد، فهناك شعر صادق جميل، وهناك نثر صادق جميل، سميتها مهموسة لأعبر عما يثيره التعبير الفرنسي - الذي نستطيع ترجمته حرفياً بـ (نصف الملفوظ) والمعنى في نفسي ليس واضحاً تمام الوضوح، لأنه في الحق إحساس أكثر منه معنى، وإنما أستطيع أن أوحي للقارئ بشيء منه. إن قلت إنني أقصد إلى ذلك الأدب الذي سلم من الروح الخطابية التي غلبت على شعرنا التقليدي منذ المتنبي)
ثم يقول في نفس المقال:
(لست أدري أأفصحت أم لا. ولكني في الحق أعتمد على نفاذ روح القارئ، لأني يائس من أن أحمل إليه ما في نفسي حملاً تاماً، ولهذا أترك له دائماً مشاطرتي التفكير والإحساس. عليه أن يصل ما أقطع، وأن يفصل ما أجمل، وأن يضفي على الإشارة كل ما خلفها. . .
وقد عنيت أن أسجل هذه الفقرات، ولعلها أقوى وأوضح ما يصور فكرة الأستاذ مندور - أو إحساسه بتعبير أصح - وهذا اللون الذي يدعو إليه في الأدب، لون حبيب، ما في ذلك