للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شك؛ ولكنه ليس اللون الوحيد الذي نعادي كل ما سواه، لأنه ليس الصورة الوحيدة للحياة

ولم يكن خطأ الأستاذ مندور في هذا التضييق وحده - عند رسم آفاق الأدب - ولكنه كان كذلك في رسم صورة واحدة لهذا اللون الواحد عند اختيار نماذجه - والنموذج الواحد هو الذي يكشف عن الصورة الباطنة في نفس المتحدث - فإذا جاز لي أن أعد النماذج التي جاء بها صورة اللون الذي يدعو إليه، لم أكن حينئذ ظالماً له، ولا مشوهاً لغرضه حين سميت الأدب المهموس بالأدب (الحنين)!

وأحب أن أطمئن الأستاذ مندور على أنني أحس ما في نفسه مما لا يستطيع أن يحمله إلى القارئ حملاً تاماً - كما يقول - ولا أرى في استنجاده بإحساس القارئ لتكملة ما يريد وتفصيله، عجزاً ولا قصوراً - كما رأى البعض - فالحس الفني لا تستطيع الألفاظ دائماً أن تحمل معانيه كاملة بوضوح، وحسبها أن تشير إليه وأن تستثير في نفوسنا المعاني والأحاسيس والذكريات الخاصة به

وهو في شرحه للأدب المهموس، كان أوسع أفقاً وأرحب صدراً، من الأمثلة التي جاء بها جميعاً من لون واحد، ولو كانت المسألة مسألة علمية أو فكرية لكان هذا الشرح هو كل شيء. ولكنها مسألة فنية، فالمثال هو الأصدق والأصح في تصوير الشرح العام

وإذا قلت: كان أوسع أفقاً وأرحب صدراً، فإنما أقيسه إلى نفسه في فهم الأدب. ولا أحتاج أن أقول: إن ذلك الأفق ليس وسيعاً، وهذا الصدر ليس رحيباً، بالقياس إلى الفهم العام الذي يجب أن تعنيه جميع الألوان الصادقة من الفنون، لا لون واحد قد يكون أفضل الألوان، وقد لا يكون!

وقد قلت في الكلمة السابقة: (إنه كان موفقاً في اختيار بعض النماذج، غير موفق في اختيار بعضها، فقصيدة (يا أخي) لميخائيل نعيمة، وقصيدة (ترنيمة سرير) لنسيب عريضة يعدان نموذجاً طيباً لهذا اللون بذلك القيد. ولكن ماعداهما من مختاراته كان نماذج رديئة للشعر عامة، ولهذا اللون من الشعر كذلك، لا في الأداء وحده، ولكن في حقيقة الشعور)

فأحب أن أفصل هذا القول بعض التفصيل

يقول الشاعر (نسيب عريضة) بعنوان (ترنيمة سرير):

ظلام الليل قد جنا ... وبوق الهمِّ قد رنَّا

<<  <  ج:
ص:  >  >>