لم يجد غاندي في مقاطعة الهند للغرب وعدم تعاونها معه ما ستوجب فزع طاغور وخوفه على الوحدة العالمية، لأن مساوئ الحضارة الغربية وضلالاتها، واستعمار الغربيين البغيض للشعوب الضغيفة، واستغلالهم الشره لمواردها الطبيعية، يزهد الهند من ناحية في أن تقيم أية علاقة تربط بهذا الغرب المادي الطاغي ما دام التعاون معه يعرضها لأخطار مدنية لا تعرف إلا صالحها، ويعطي فرصة للدول الاستعمارية لأن تستغل مواردها المتنوعة من دون الشعب صاحب الحق في الاستفادة منها، ويجبرها من ناحية أخرى على أن تعتزل العالم، وتقطع علاقتها بتلك الأمم التي تفسد عليها حياتها المادية والمعنوية، وعلى أن تستغني عن خدمات الغرب وتعتكف في نفسها تستجمع قواها وتجدد نشاطها وتبعث مواهبها وتشحذ ملكاتها، وتنهض بمستوى الشعب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية، وتخلصه من الجهل والبؤس والخوف، وتسمو بنزعاته الخلقية، فيقدر أن يقوم بواجبه نحو الهند والهنود. وحينئذ فقط يطلب من الهند أن تساهم في تأسيس الدولية العالمية، وأن تفنى في العالم، لأن الشعب المتحد القوي المثقف أقدر على تكوين هذه الوحدة من الشعب المفكك الجائع الجاهل الجائف. ومن صالح الهند والانسانية جميعاً أن تعيش الهند لنفسها اولا، حتى تتحد وتتقوى مادياً ومعنوياً، وتتطهر من كل نقص وضعف قبل أن تبذل أي جهد في خدمة الإنسانية، أو تسعى لأن تلاشى كيانها في العالم.
وكان غاندي مخلصاً لمبادئه، فشجع الهند على إن تعتمد على نفسها في رقيها، حتى لا تأخذ من الغرب شيئاً. وعمل على إن يتبع الهنود نفس الأساليب الاقتصادية الهندية القديمة لتدعيم الحياة الهندية المادية، واهتم بأن يستعينوا بالثقافات الأسيوية التي مرت بالهند في ابتكار حضارة روحية هندية فتية تصون مقومات الهند وتخلو من مفاسد المدنية الغربية. فرد أولاً على لوم طاغور في أتخاذ الهنود المغزل اليدوي وسيلة للتكسب بأن ملايين الهنود يوشكون أن يموتوا جوعاً لأنهم لا يجدون عملا يرتزقون منه. فالفقر هو الذي أرغم الهند على أن تستخدم المغزل العتيق كوسيلة تكفل العيش لشعب فقير. بينما كان ما ينادي به