نحن يا صديقي القارئ من سموم تموز على حالٍ سواء: أنا لا أحسن الكتابة، وأنت لا تحسن القراءة؛ فتعال أهذِ أنا وتسمع أنت؛ فإن الهذيان في الحر كالهذيان في الحمى تنفيس عن الروح المكروب، وتخفيف عن الدم الفائر، والهذيان كلام كفورة الإناء ليس له نظام ولا فيه عقل؛ ولكنه كحلم النائم لا تغلب فيه جملة على جملة، ولا تظهر به صورة دون صورة، إلا لأن لهما في العقل الباطن أثراً، وبالروح اليقظان صلة. ولعلك واجد في لواغي المحموم والملموم والنشوان والنائم من ومضات الحق ما لا تجده أحياناً في بعض الكلام. ولقد كان في قرى الريف جماعة من الممسوسين المستهامين يعتقد الناس أن وسوستهم من كشف الغيب وإنذار القدر؛ وربما أصابوا في لحونهم توجيهاً إلى منفعة أو تنبيهاً إلى مضرة!
يقولون: في شهر تموز، يغلي الماء في الكوز، ويجري الشر على البوز! فهل صمم الفوهرر أن يفتح في (دانزيج) طاقة من جهنم تجعل البحر حميماً على كل مستجم، والجبل جحيماً على كل مصطاف؟ ما ضر هتلر أن يمهل الأغنياء المدللين حتى يبذروا الذهب في مدن المياه، كما أمهل الفقراء المساكين حتى حصدوا الحنطة في قرى اليابسة! ماذا يصنع ذلك الأمير أو ذلك الكبير الذي وقف دخل العام كله على هذا الشهر، فقسم أمواله بين موائده الخضر في كل ساحل، وفرّق آماله على مواخيره الحمر في كل حضيض؟ أيجوز أن يحرمه هتلر غدوات القمار وأصائل الغزل وأماسي الرقص وأسحار الفتون، لأنه يريد أن يتسع وطنه، ويرتفع شعبه، وينتشر سلطانه؟ هل هانت الأرستقراطية على الناس إلى هذا الحد؟
لو كنت ذلك الأمير أو ذلك الكبير لصحت ملء فمي: لعن الله
الديمقراطية والدكتاتورية! فإنهما منذ رفعتا كلمة الشعوب فوق إرادة
السادة، ونقلتا سلطان الملوك إلى الساسة والقادة، هوت الأرستقراطية
إلى الدرك الأسفل من بناء المجتمع، وأصبح أهلها كدُمى الأثاث توضع
للزينة، أو كذلاذل الثياب ترسل للحلية. لقد كانت الحرب في عهد العزة