الأرستقراطية لا تقوم بين إمارتين أو مملكتين إلا لأن الأمير أو السيد
أراد أن يصيد فصُدّ عن الأرض، أو يخادن فدُفع عن المرأة، أو ينفق
فعجز عن المال. أما اليوم فمن مهازل الدهر أن تشب الحرب بين
دولتين أو قارتين لأن عاملاً فقيراً أراد ليده عملاً فلم ينل، أو تاجراً
حقيراً طلب لبضاعته سوقاً فلم يجد!!. وفساد الأمر كله إنما جاء من
وضع الحكم في أيدي المتعلمين من أبناء الصناع والزراع والعملة!
آمنت أن الله خلق في الناس العُلّيق والعلق. فالعلّيق نبات يتسلق ما يقربه من الشجر فيعلوه ويلتف به ويعرش عليه حتى يحرمه نسم الريح وضوء الشمس وجلال الرفعة. والعلق دود يتعلق بمن يمسه من الحيوان فينشب فيه خرطومه، ثم يمتص دمه ويستلب حياته.
فهؤلاء الأتباع والأوزاع الذين يلتفون حول (أبناء الذوات) يهرّجون لهم في الحديث، ويروجون لهم المنكر، ويتطالون من وراء أكتافهم إلى فخفخة الحياة، هم علّيق.
وهؤلاء (البلطجية) الأوشاب الذين يلقون أبدانهم الثقيلة على عواتق البغايا الضعاف والتجار المساكين فيفرضون عليهم بالقوة ملء البطون والجيوب من السحت والأثم، هم علق.
وأولئك المتزعمون المتبطلون الذين قصروا جهدهم في الحياة على أن يتخاطفوا عصا القيادة ويتنازعوا كراسي الحكم، ووسيلتهم إلى ذلك أن يقوموا على هامش الطريق أبواق فتنة، أو يقفوا في سوائه أحجار عثرة، هم علّيق.
وأولئك المترفون المسرفون الذين استولوا على الأرض من غير ثمن، وتسلطوا على الفلاح من غير سلطان، فأكلوا ثمرة الزرع حتى انتفخوا وشربوا عرق الزارع حتى طفحوا، هم علق.
وأولئك النقاد المتخرصون الذين يتهجمون على أعيان العلم والأدب باللغو والجهل والسفه، ليدركوا نباهة الذكر من بلاهة العامة، هم علّيق.
وأولئك المؤلفون المزيفون الذين يستغلون ضعف المعلمين وفقر الأدباء فيكلفونهم أن يكتبوا المقالات وهم يمضونها، ويضعوا الكتب وهم يستلحقونها، ويربحوا الأموال وهم يقبضونها،