يخطئ الذين يظنون أن الحياة المصرية تحتاج إلى التجديد من ناحيتيها السياسية والاجتماعية فحسب، ويرون أن الجمود والتأخر والبطء كانت تلازم هاتين الناحيتين، ولا غير؛ فالحق الذي لا سبيل إلى المراء فيه أن الحياة المصرية أصابها الركود والجمود في كل نواحيها، وإن كانت نسبة هذا الجمود وهذا الركود في ناحية أقوى وأظهر منها في أخرى، ولذلك فإن النهضة والبعث والتجديد يجب أن تمس كل نواحي الحياة مسا رفيق أو عنيفا على حسب ما تحتمله طاقة الأمة.
وإلا فهل في مصر وفي العالم العربي من الفاقهين المخلصين لدينهم ولغتهم من يجهل مدى الجمود الذي يسيطر على الدراسات العربية والشرعية؟
فكما أننا كنا في حاجة ماسة إلى من يجدد لنا حياتنا السياسية، وحياتنا الاجتماعية، كذلك نحن في أمس الحاجة إلى من يجدد لنا حياتنا العلمية، وبخاصة في الناحيتين اللغوية والشرعية.
والذين لا يتعبدون بدراسة الكتب القديمة، ولا يعتقدون أن الله جعل علم اللغة وعلم الشريعة وقفا على الأقدمين، ويؤمنون أشد الإيمان بأن أتفه كلمة في العربية هذه التي يتناقلها الخلف عن السلف:(ما ترك الأول للآخر شيئا) هؤلاء يعتقدون أن حاجتنا إلى تجديد هذه الدراسات، وصوغها صياغة جديدة لا تقل - في ميزان النهضة - عن حاجتنا إلى تجديد سياسة الأمة وحالتها الاجتماعية.
وقد يطول الحديث ويتشعب لو أخذت أبين ما في هذه الدراسات من جمود، ولو بالإشارة العابرة، فلذلك سأقصر حديثي عن الدراسات العربية، بل عن كتابين اثنين من هذه الكتب العربية التي نتعبد بدراستها في مصر وفي غير مصر من الأقطار العربية. وكم كنت أن لم ييسر الله لصاحبي هذين الكتابين في تأليفهما، فإن الخطر الذي دخل على العربية منهما لا يقل عن الخطر الذي أصاب الحياة المصرية من تحكم رجال الإقطاع والطبقة الحاكمة.
أما أول هذين الكتابين فألفية ابن مالك. أقول هذا وأنا على يقين من أن آلافا من الناس