سيفتحون أفواههم وستجحظ عيونهم تعجبا، ودهشة، ولكن الذي يؤثر الحق لا يبالي.
وضع ابن مالك ألفيته في النحو في القرن السابع الهجري، ومنذ ذلك التاريخ وعلماء النحو يتخذون هذه الألفية كعبة يطوفون حولها، يضعون لها الشروح، ويضعون على الشروح الحواشي، وبعضهم يؤلف في إعراب الألفية، وأكثر هذه الكتب وضع في عصر الضعف الأدبي، ففيها ما شئت من تعقيد والتواء، ومن تعليلات تافهة لا تستند إلى منطق معقول. وقد أضر عكوف العلماء بهذه الصورة على هذا لكتاب، فوقف الاجتهاد في النحو، وأصبحت غاية المتعلمين أن يفهموا تلك العبارات الملتوية، وأن يحسنوا الجدل في تخريجها وتصحيحها. وربما كان هذا معقولا ومقبولا في تلك العصور التي ركدت فيها ريح العلم، وعمها الانحطاط في كل نواحيها، ولكنه غير معقول ولا مقبول في هذا العصر الذي يمتاز بالسرعة، ويتطلب المحافظة على الوقت ويضيق به أن يضيع في فهم عبارات لا جدوى من فهمها - إن فهمت - وكم تكون الكارثة أطم لو ضللتنا على هذه الحال مع هذه النهضة المباركة، فنحن نقف والقافلة تسير، وويل للمتخلف.
لا تزال الآثار التي يوحي بها تقديس هذه الكتب مسيطرة على أفكارنا وعلى آرائنا وعلى تقديراتنا وعلى مناهجنا، فنحن نجيز الطالب ونمنحه شهادة دراسية يكافح بها في الحياة لأنه حفظ شرح ابن عقيل، أو شرح الأشموني على الألفية. ونحن نشيد بعلم العالم لأنه لا تغيب عنه كبيرة ولا صغيرة من هذا الكتاب أو ذاك، ونحن نسأل عن فلان فيقال لنا أنه عالم جليل، ونسأل عن علمه الجليل فيقال لنا أنه أقدر الناس على فهم الكتب الأزهرية، وتخريج عباراتها، وتعجب أشد العجب حين تذهب إلى هذا العالم الجليل فلا يختلف في نظرك عن الكتاب الأصم في شيء، فأنت تستطيع أن تستغني بالكتاب عن ملاقاته والاستماع إليه، تسأله فيدلك على موضع الجواب من الكتاب، فإذا تخلل الجواب بيت من الشعر، أو حكمة مأثورة لم يزد في تعريفك بهما على موضع الشاهد منهما، أما المعنى الأدبي للبيت أو للحكمة، فيشرحه لك شرحا عاميا كما لو سألت جاهلا لم يطلع على شيء من كتب النحو.
وهذه الأمثلة السخيفة التي تطالعك في كل صفحة، وتؤذي سمعك وإحساسك في كل حين، هي هي منذ أن وضع النحو واضعوه! أما الشواهد فهي في الأغلب الأعم من الشعر