للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الركيك المتهافت، وقد ورط القدماء في هذا ما كانوا يعتقدونه خطأ من قولهم (البحث في المثال ليس من دأب المحققين).

ولو كنا - حقا - نريد أن نساير النهضة، لطرحنا هذه المؤلفات جانبا، وكتبنا النحو العربي من جديد، وكتبناه بأسلوب واضح أدبي، ولتركنا الأمثلة جملة وتفصيل، واعتمدنا على الشواهد الفصيحة من القرآن والحديث، والشعر والنثر، وليس من المنطق السليم أن نعهد بهذا التجديد إلى أولئك الذين تحجرت عقولهم على القديم، وأصبحوا لا يؤمنون إلا به، لأنهم لا يحسنون غيره، وهذه الحكمة البسيطة الساذجة هي التي تهدينا في هذا السبيل (إنك لن تجني من الشوك العنب). بل يجب أن نعهد بهذا العمل إلى العلماء الأدباء الذين تعمقوا في دراسة النحو العربي ولهم مع ذلك ذوق أدبي جميل، فهؤلاء هم ضالتنا.

أما ثاني الكتابين، فهو (تلخيص) المفتاح للخطيب القزوبني، وما قلته عن ألفية ابن مالك هو نفسه الذي يقال عن التلخيص، مع فارق واحد، هو أن الأمر مع هذا التلخيص أدهى أمر، ذلك أنه في علوم البلاغة، وهذه العلوم أمس بالبيان العربي من علم النحو، فربما لا يروعنا أن نجد العلماء والمتعلمين في النحو لا يتذوقون الأساليب البيانية العالية، ولا يحسنون أن يأتوا بشيء منها قل أو كثر، ولكنه يؤسفنا أشد الأسف أن نجد الدارسين للبلاغة أبعد الناس عن تذوق البليغ من القول.

والتلخيص كالألفية منذ وضع وهو قطب رحا البلاغة، يدور حوله، وتستهدي بضوئه مع ما في شروحه الكثيرة من خلط وخبط، وضعف وتفكك، فهي مملوءة بالمباحث الكلامية، والمباحث المنطقية، والمباحث الفلسفية، ونصيب الذوق الأدبي منها أقل من القليل.

ومع ذلك فهي التي يعتمد عليها دارسو البلاغة العربية جل الاعتماد، وما ظهر من الكتب الحديثة ليس إلا صورة من تلك الكتب، وإن زادت عليها شيئا من الشواهد والتمارين، لكن الطريقة القديمة والأمثلة القديمة والشواهد القديمة هي هي، ومن عجيب الأمر أن بعض الشراح القدماء يعيبون بعض هذا المنهج، ولكنهم يسلكونه، وأشد من ذلك عجبا أن يسلكه المحدثون. هذا سعد الدين التفتازاني، وهو صاحب القدح المعلى في الكتابة عن التلخيص، وأبيه (المفتاح) يقول عائبا طريقة السكاكي في حشد كثير من التقسيمات في باب التشبيه، يقول: (واعلم أن أمثال هذه التقسيمات التي لا تتفرع على أقسامها أحكام متفاوتة، قليلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>