الجدوى، وكأن هذا ابتهاج، من السكاكي بإطلاعه على اصطلاحات المتكلمين، فلله در الإمام عبد القاهر، وإحاطته بأسرار كلام العرب، وخواص تراكيب البلغاء، فإنه لم يزد في هذا المقام على الكثير من أمثلة أنواع التشبيهات، وتحقيق اللطائف المودعة فيها). وما يقال عن التقسيمات في التشبيه يقال عن كثير من التفريعات في علوم البلاغة الثلاثة.
إنني دافعت هنا في مجلة الرسالة الغراء، منذ سنوات عن البلاغة العربية، وهاأنذا الآن أدعو إلى نبذ هذه الكتب منها، وليس - في الحق - أي تناقص بين الموقفين، فقد كنت هناك أدافع عن البلاغة كعلم عربي ألف فيه عبد القاهر والزمخشري، وأبن سنان، وابن الأثير، والآمدي، والجرجاني عبد العزيز، وأبو هلال العسكري، وأنا اضرب المعول في هذه الكتب التي نهجت منهج السكاكي والخطيب فجعلت البلاغة جدلا لفظيا عقيما.
وقد يتساءل متسائل، أو تعجبك هذه الكتب التي وضعها المحدثون، والتي تعني بالشواهد الفصيحة؟ والجواب: لا. فإنها كتب جوفاء لا غناء فيها. والذي أريده أن تدرس البلاغة العربية القديمة في كتبها ذات الأسلوب العالي والتفكير المستقيم ثم تكتب بلغة أدبية عالية، ويزاد فيها أو ينقص منها، ولكن لا تخلو كتابتها من هذه اللمحات القوية التي دونها العلماء السابقون.
كما أريد أن يضطلع الأزهر بهذه المهمة فإن رجاله أقدر الناس على تجديد القديم تجديدا نافعا مفيدا؛ وأن يخفى من الدراسات المدرسية هذه الكتب التي عمت الشكوى فيها، والتي لا فائدة منها في الحقيقة إلا ضياع أوقات الطلاب سدى، وإلا إفساد أذواقهم، وحين تتغير الحال في الأزهر، سيترسم خطاه كل المعاهد العلمية في العالم العربي التي تقلده الآن فيما يقدم لأبنائه من طعام لا يسمن ولا يغنى من جوع.