قلت ونحن نقدم الساعة: غير هذا التقديم كنت أريد. فنحن لم نقدم الساعات ولكننا سمينا الحادية عشر ثانية عشرة وانتهينا عند هذا التبديل، وإن هي إلا أسماء!
وإنما التقديم الحقيقي بعنائه أن تتقدم الساعة في الزمان، فيصبح ما سيكون فيها وقد كان
فمن ركب الطيارة من القاهرة يصبح (على جناح السرعة) وهو في الإسكندرية
ومن أخذ في قراءة فصل من كتاب يصبح وقد فرغ من القراءة ووعى ما قرأ، أو في كتابة مقال يصبح وقد فرغ من كتابته كأنه قد جهد له طوال الدقائق الستين من تلك الساعة.
ومن غلبه الغضب يصبح وقد سرى عنه، أو من اطمأنت نفسه بالغبطة يصبح وقد تهيأت نفسه لغبطة جديدة
فهكذا يكون تقديم الساعات، أو هكذا يكون التقديم في الزمان
ثم قلت وقد سنح لي الخاطر وتمثلت الأمنية: أمن أجل ساعة واحدة تريد هذه الخارقة؟ كلا، هذا إسراف في التمني وافتيات على الخوارق. وساعة واحدة لا تستحق هذا الإسراف ولا هذا الافتيات. فما أيسر انتظارها على المتشوف، وما أسهل إغفالها أو نسيانها على المستطلع! إنما يستحق هذا الأمنية تقديم سنين لا تقديم ساعات، فمن لنا بمن يقدم الزمان في مجاهل المستقبل عشر سنين؟ ومن لنا بمن يميط هذا الحجاب الكثيف لعيون المتلهفين ونفوس المترقبين؟
عشر سنين فإذا الغد أمس والمجهول معلوم
عشر سنين فإذا الحرب الحاضرة وقد سماها الكاتبون حرباً ماضية، وإذا الناس قد عرفوا الغالب والمغلوب، وكشفوا الغشاوة عما وراء هذا الستار المضروب، من غبار الوقائع وعثيْر الحروب
عشر سنين فإذا بلاد قد طويت وبلاد قد نشرت، وإذا أعلام قد برزت وأعلام قد اندثرت، وإذا مذاهب من الإصلاح أو من الإفساد قد جربها المجربون، فمنهم راضون ومنهم ساخطون، ومنهم من يحكم على أصحابها بالحكمة ومن يحكم عليهم بالجنون؟