للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عود على بدء]

بين الغرب والشرق

للدكتور إسماعيل أحمد أدهم

(بقية المقال الرابع)

٨ - يسخر المناظر من قولنا أن هناك صلة اليوم بين الثقافة والعلم على اعتبار أن الثقافة تنبثق من العلم، نظراً لأن الحياة اليوم ينظمها العلم بقواعده المادية - ويقول: أي صلة المبادئ الأدبية التي يقوم المجتمع عليها وبين علم طبقات الأرض. ونحن نقول إن هناك صلة، ومرد هذه الصلة أن العلم بكشفياته يقيم حياة مصبوبة على نمط معين، ويتأثر هذا بهذا النمط الإنسان في شعوره واتجاهاته ومنحاه، بيان ذلك أن علم طبقات الأرض - وهي التي ضرب بها مثل المناظر - بما تنتهي إليه من اكتشافات لها أثر في الحياة الأدبية، ذلك أنه من المعروف الآن أن الكشفيات الأخيرة في الصعيد من جهة أسوان كشفت عن مناجم للحديد يمكن استغلالها لمتوسط نصف مليون طن سنوياً لألفي عام. فهذا الاكتشاف الذي مرده البحوث العلمية في طبقات الأرض لو استغل استغلالاً صناعياً في مصر لأقام صناعة في مصر يشتغل فيها على أقل تقدير ثلاثة ملايين عامل، ومثل هذه الحياة الصناعية تحدث تغيراً في الحياة الأدبية والتصورات الأخلاقية، إذ يحدث تطور من صور حياة أدبية لشعب زراعي إلى حياة تكافئ جماعة أخذت بالصناعة، وعلى هذا الوجه يستبين مفهوم كلامنا ولقد ضربنا مثلاً بمصر وبطبقات الأرض التي شاء مناظرنا أن يسخر اعتماداً عليها من قولنا بانبثاق الثقافة من العلم في مدينتنا الراهنة لتظهر حقيقة غائبة عن العقول في مصر الحديثة في منحى الأخذ بها نحو الحياة الأوربية الصحيحة بإقامة مجتمع صناعي فيها

أما محاولة المناظر التلاعب بكلامنا بإظهاره في صورة يخترمها تناقض، فهذا ما نأخذه ونحاسبه عليه، فلقد قلنا أن الثقافة تنبثق من العلم ومعنى هذا أن الثقافة شيء والعلم وشيء، وأخذنا على اليابان أنها أخذت بنتائج العلم الأوربي ولم تأخذ بالعلم الأوربي نفسه فكان نتيجة ذلك أنها عاشت عالة على أوربا في علمها وحضارتها؛ وأنها احتفظت بثقافتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>