أعتقد الشعب الصيني في ذات كونفوشيوس منذ قدم الزمن اعتقاداً جازماً ما اعتقده اليهود في موسى والمسلمون في نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام وعظموه تعظيما لا يقل عن تعظيم النصارى لذات المسيح والبوذيين لذات بوذا، فأقاموا له الهياكل والمعابد يتقربون إليه في أعياد ميلاده ووفاته، ونصبوا له التماثيل والنصب والأخشاب التي كتب عليها اسمه يقدسونه ويعبدونه، وخصوصاً في الأيام الملوكية. قبل ثلاثين سنة كان الأطفال والتلاميذ الشباب يذهبون إلى المدرسة القديمة الطراز ويركعون له ركعات ويطلبون منه التوفيق والإلهام، كما فعله المتدينون لإلههم المقدس بديع السموات والأرض وما بينهما. ولكن الواقع لم يكن كونفوشيوس نبياً مرسلا بمعنى أنه يوحي إليه بالحق ليبلغه الناس، ولم يدع ذلك بل أنكر أن يكون نبياً وذا مروءة. قال في الفصل السابع من كتاب الحوار:
(أما الأنبياء الحكماء وذوو المروءة، فكيف أجترئ على إدعاء رتبتهم؟ وغاية ما يجوز أن يقال في هي أنني رجل يعمل جهده من غير ملل، ويعلم غيره من غير تعب. فقال كونغ اسى هوا (أحد تلاميذه): وهذا هو الذي لا يمكن أن نتعلمه)
غير أن المسلمين ما داموا اعتقدوا أن هناك أنبياء لم يقصص الله علينا اخبارهم، كما نص القرآن الحكيم، وما داموا اعتقدوا أن لكل أمة نبياً أو أنبياء يرشدونها إلى سواء السبيل، وما داموا اعتقدوا أن الأنبياء يزيدون على مائتين وعشرين ألفاً، فإن كونفوشيوس قد يكون منهم، لأنه يعرف الإله مدبر الكون، وإن لم يتصد لتعليمه الناس، ولأنه يقيم نفسه للحق ينشره بين الناس ليرجعوا إليه في كل معاملاتهم، ولأنه يبين لهم الآداب الفاضلة ليتخلقوا بها، والأعمال الفاسدة الرذيلة ليتجنبوها، فهو مصلح للأمة متدرج من الأفراد والأسر إلى المجتمعات، وليس كالسياسي، يعالج أمراض الأمة الظاهرة من الخارج لا من الأساس، فهو ني من الأنبياء، قد عمل أعمالهم وأدى واجبه كما أدوا، بقطع النظر عن تعظيم الشعب الصيني له وإجلالهم إياه فوق ما يجب