اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال فريق: إن التعاليم الكونفوشيوسية هي دين كسائر الأديان في العالم، لأنها لا تخلو عن الإرشادات القيمة التي تحض الإنسان على عمل الخير، وترك الشر، والتي تدعوه إلى الحياة السعيدة الهنيئة بالتحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، وهي تأمر الناس بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر، وهي النصيحة عينها. وهذه الأشياء من خصائص الدين وغايته، فهي دين بلا شك، وهذا الفريق هو الذي يريد أن يجعل الكونفوشيوسية ديناً رسمياً للحكومة الصينية والشعب الصيني
يقول الفريق الآخر: إن التعاليم الكونفوشيوسية إنما هي فلسفة عالية وحكم غالية كسائر الفلسفات في الأخلاق والسياسة وليست ديناً، لأنها لم تبحث عن الإلهيات كوجود الإله وصفاته وأفعاله، ولا المغيبات كالجنة والنار والثواب والعقاب، ولا الصلة بين الله والإنسان ولا بينه وبين الموجودات. يقول تس كونغ أحد تلاميذه النوابغ:
(يمكن أن تسمع أحاديث الأستاذ في الفضائل والآداب، ولا يمكن أن تسمع أحاديثه في النفس الإنسانية والسنة السماوية). الفصل الخامس من كتاب الحوار:(كان الأستاذ قلما يتحدث عن المنفعة والقضاء والقدر والمروءة). التاسع من الكتاب.
(كان الأستاذ لا يتحدث عن العجائب والقوى والاضطرابات والآلهة). السابع منه
فما دام كونفوشيوس لم يتحدث عن هذه الأشياء التي هي من مهمات الدين وميزاته، أو قلما يتحدث عنها، فكانت تعاليمه ليست بدين، بل هي فلسفة بلا شك، وهو فيلسوف كأفلاطون وكانت وغيرهما.
وعلى كل حال، فإن التعاليم الكونفوشيوسية مزيج من الاثنين لا هي بالمبادئ الدينية المحضة، ولا الآراء الفلسفية البحتة، وشأنها شأن الفلسفات القديمة التي تبتدئ بالخرافات والأساطير، ثم تمتزج بالحكم الدينية
٣ - دين الصين القديم
إذا كانت التعاليم الكونفوشيوسية مزيجاً من الدين والفلسفة فلابد أن نعرف حقيقة الدين الصيني القديم الذي قبل كونفوشيوس حتى نتبين هل نظريته الدينية كلها نظريات قديمة أو عقائد قديمة أم للفيلسوف كونفوشيوس رأي خاص أو نظرية خاصة غير العقائد التي