يقول الكولونيل (جولر) في كنابه الذي أصدره عن سوريا عام ١٩٤٥ بصدد فلسطين ما يأتي:
(ولو تحربنا الدقة لوجدنا أن اهتمام بريطانية بفلسطين لم يكن في يوم من الأيام ناشئاً عن رغبة في مساعدة اليهود أو تحقيقاً لرسالة المسيح، بل كان نتيجة مباشرة للمناورات الاستعمارية التي ترمى على الدوام إلى خدمة المصالح البريطانية. ففلسطين تقع بين مصر والشام، وهي على طريق الهند، فمن المحال أن تغفل قدرها الحكومة البريطانية. وعلى هذا فخلق مشكلة تشيع الاضطراب فيها طريقة نموذجية لتبرير بقاء قوات مسلحة هناك تحافظ على مصالح الإمبراطورية).
وعلى ضوء هذا التفسير العملي الذي يعرضه خبير بريطاني مطلع، يمكننا كل ما تضعه بريطانية من حلول لمشكلة فلسطين. فهي ترعى مصالحها في هذه القضية وتنكر مصالح الطرفين المتنازعين بله المصلحة العالمية أيضا، وتحاول بكل وسيلة أن تمد من أجل المشكلة وتطيل في عمرها لتحتج بها في بقاء قواتها العسكرية المرابطة هناك تحافظ على مناطق نفوذها في الشرق الأوسط بأسره.
ومشروع التقسيم الأخير الذي اقترحته الدوائر الرسمية البريطانية، ولوحت به مجلة الأيكونمست اللندنية التي تعبر بصورة غير مباشرة عن أراء ١٠ دواننج ستريت، والذي أبده السير هر برت موريسن أحد الوزراء البريطانيين المسؤولين علنا في مجلس العموم، نقول إن هذا المشروع ليس إلا شكلاً جديداً من أشكال أنصاف الحلول التي اعتادت بريطانية أن تقترحها بين آونة وأخرى لتشغل القوم وتكسب الزمن.
وها المشروع هو نفس المشروع الذي اقترحه دولة نوري السيد في الكتاب الأزرق الذي رفعه عام ١٩٤٣ إلى المستتر كيسي وزير الدولة البريطانية في الشرق الأوسط. ويتضمن إنشاء حوزة أو حوزات يهودية مع التمتع بحقوق خاصة - على نحو الحقوق التي كانت ممنوحة للموازنة في لبنان - داخل الدولة الفلسطينية، أو دولة عربية كبرى تشمل سوريا