بين عيد الفطر الاسلامي، وعبد النيروز المسيحي، يقع ميلاد الرسالة! فكأن الرسالة لاتنفك تجري على قدر من الله في السفارة بين عهد وعهد، والوساطة بين فكرة وفكرة! وفي هذه الفترة التي يعاود الناس فيها سلام الروح، وسكينة القلب، فيتعاطفون على القرابو، ويخالصون على المودة، وينفضون ايديهم من اوزار العيش حيناً لتتأنس النفوس بالتحية، وتتلامس القلوب بالمصافحة، لاتجد الرسالة غضاضة الاثرة اذا تبسطت في الحديث عن نفسها، الى اصدقائها وقرائها، فان العيد يقوى شعور الانس، والسرور يهلهل رداء الحشمة
تحبو الرسالة للسنة الثالثة من عمرها، أو تخطوا الخطوة الثالثة من غايتها، وهي بحمد الله اشد ما تكون استمساكاً بالمبدأ، واستشرافاً للغرض، واستعدتداً للامر، واستبصاراً بالماضي، واطمئناناً للمستقبل
ولقد كان من دلائل رضي الله عن جهادها أن ألان لها أعطاف الشدائد، وسهل عليها مصاعب النجاح، ومكن لها من قلوب الناس، فآثروها بالعطف، وآزروها بالعون، ووجدوا فيها متنفساً لخوارهم المكظومة، ومفيضاً لعواطفهم الجائشة، فتعارفت فيها الاسماء الغريبة، وتآلفت بها الأنساب القريبة، واشرقت بين سطورها في هذه العهود السود ومضات المجد التليد، كما تومض المنارة الهادية في حواشي الافق المكفر ونواحي المحيط المضطرب
لا نريد ان نعوج لما كان، ولا أن نعد بما يكون، فان العمل الحي ينمو بطبعه، ويقصد الى ماده بفطرته؛ وحية الرسالة إنما تنبثق من إيمانها، ومن إخلاص إخوانها، فلا يكدى لها شباب ولايبطئ بها وهن
ولقد جربنا في استمالة الفوز كل حيلة فما أفاد غير الايمان: جربنا التسامح فبطر الصديق، والهوادة فضرى العدو، والثقة فنغل الناصح، والمحبة فثارت المنفعة، والكد فهاج المرض، فلولا الايمان بصحة الفكرة، وشرف الوسيلة، ونبل الغاية، وضرورة العمل، لانقطعت الاسباب وابدعت ركائب الامل
إن فيما يحمله البريد إلينا كل يوم من رضى القراء في مختلف الانحاء لأجحماعاً على الخطة التي نهجناها للرسالة. حتى أولئك الذين كانوا يحبون أن تخف أو تُسف عادوا فصالحوا بين أذواقهم وذوقهم، ولاءموا بين الخلاقهم وخلقها، ففضلوا ان تظل كما هي للخاصة فلا تتعلق بغير الجميل من الأدب والفن والخلق