(ظهور المدرسة، الطريقة النفسية والمنطقية، التقاليد)
للأستاذ كمال السيد درويش
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
لقد عرف الإنسان الطريقة النفسية أولاً وعمل بها ثم أنتقل إلى العمل بالطريقة المنطقية. والواقع أنه منذ أن نشأت المدرسة كمعهد علمي متخصص في تربية النشء، بدأ سلطان الطريقة المنطقية وأخذ يزداد حتى أصبحت في النهاية شبحاً مخيفاً جاثماً على صدور الأطفال الأبرياء. وقد استطاعت هذه الطريقة فرض ديكتاتوريتها على التعليم ولا تزال حتى اليوم. لذلك يمكن القول أن العلة الأساسية في فساد نظم التربية حالياً في جميع ميادينها المختلفة، سواء في المدرسة أو الأسرة أو المجتمع نفسه، إن هي إلا في العمل بتلك الطريقة المنطقية. وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يدعو إلى التمسك بها والخضوع لغيرها؟ الواقع أن السبب الحقيقي الذي دعا إلى الاعتماد عليها هو ما تمتاز به من سرعة وسهولة. ولقد جرب المربي في حياته واستخلص واستنتج ثم رتب خلاصه تجاربه خلال حياته في شكل نتائج وقوانين ونصائح وأخلاق وحكم وأمثال. فما اسهل تلقين ذلك كله للناشئين وحثهم على العمل بها، سواء أرادوا أم لم يريدوا، قبلوا أم رفضوا، فهموا أم لم يفهموا. إنما المهم أن يحفظوا بعقولهم الناشئة هذه الحكم القيمة والمعلومات النادرة والمثال السائرة. وكيف لا تكون قيمة نادرة وقد بلنا كل مرتخص وغال في سبيل الحصول عليها؟ لذلك يجب على هؤلاء الناشئين أن ينصاعوا صاغرين وإلا فهم شياطين خاسرة لم تكتب لهم الهداية ولم يقدروا لهم التوفيق. وإذا ضرب أحدهم بتقاليدنا ونصائحنا عرض الحائط. إذا نأى عنها واعرض بجانبه سلقناه بالسنة حداد واعتبرناه خارجاً على التقاليد، تقاليد الآباء والأجداد. ومارقاً كافراً ملحداً يستحق اللعنة ومختلف ألوان العذاب
تلك هي أول مساوئ الطريقة المنطقية. هي أنها تخلق تقاليد معينة لها حرمتها وقدسيتها ولا يمكن المساس بها. وهنا يحق لنا أن تساءل، وما هو الضرر في تقديس التقاليد؟ وفي الخضوع لها؟ ولم لا يكون في التقديس والطاعة ما يرغب فيه؟! يجرنا ذلك إلى سؤال