للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آخر: ولكن ما هي التقاليد؟! نحن نعني بالتقاليد تلك التعاليم التي كانت لدى الإنسان الأول، والتي لازمت المجتمعات الإنسانية منذ أن ظهرت على سطح الأرض، والتي لا تزال تحيا وتعيش حتى اليوم سواء في المجتمع البدائي أو المجتمع الذي وصل إلى أرقى درجات الحضارة والتقدم. هي تعاليم يفرضها المجتمع فرضاً على أفراده الناشئين وعلى هؤلاء نقبلها في خضوع واستسلام دون مناقشة أو كلام إلا لأنها تقاليد واجبة التقديس. إطاعة الكبير وتوقيره وإطعام الغريب وإيواؤه من بين الأمثلة العديدة على التقاليد السائدة في مجتمعنا الإنساني بوجه عام. ولقد اتسع سلطان التقاليد فأصبحت ولها في كل ميدان سلطان. . وأي سلطان؟! هي في القرية غيرها في المدينة وهي في مدينة غيرها في الأخرى، وتجدها تظهر في الملبس وفي العادات وفي الأخلاق وبين جميع الأمم تجدها، وفي مختلف الطبقات تشاهدها. لذلك لا نعجب داخل جدران المدرسة بطبيعة الحال. بل يمكن القول أن عملية التربية بعد أن سارت على الطريقة المنطقية قد أصبحت هي نفسها تقليداً متبعاً. وهنا يحق لنا أن نتساءل. وما السر في وجود التقاليد؟! الواقع أن أي تقليد لم ينشأ إلا نتيجة عملية مارسها الإنسان على الطريقة النفسية الطبيعية. شاهد الإنسان غيره وقد اصبح كبيراً مسناً في حاجة إلى احترام الناس ومعونته وتصور حاله اصبح مثله! عند ذلك أيقن أن احترام الكبير فيه احترام للجميع ووقاية من التحقير على يد الصغير. لذلك تمسك الإنسان بهذه الفكرة، فكرة احترام الصغير الكبير وجعلها تقليدا إحاطة - وهو يلقنها للصغار الذين لا يعلمون عن سر حكمتها شيئاً - بهالة من التقديس وذلك حتى يضمن بقاءها والعمل بها. وهكذا غدت تقليدا يحافظ عليه أفراد المجتمع. ولذلك يمكن القول أن من الممكن أن ترد كل تقليد ظهر في أي مجتمع من المجتمعات إلى ظروف خاصة دعت أولاً إلى وجوده وأدت ثانياً إلى بقائه كأن تكون له أهمية حيوية بالنسبة لحياة المجتمع التي نشأ فيه. إن الكرم عند البدوي في البيداء هو تقليد حيوي ضروري تمليه البيئة الصحراوية. ولقد نمت التقاليد بنمو المجتمع الإنساني وتحضره

ولكن لم نوافق على أن تصبح التقاليد نفسها أهدافاً تربوية ما دامت التقاليد في حد ذاتها خلاصة الخبرة السابقة للمجتمع الإنساني مصوغة في قالب التقاليد لتسهيل المحافظة عليها وفرض الطاعة لها؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>