للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرية النبوة عند الفارابي]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

مدرس الفلسفة بكلية الآداب

- ٧ -

تعددت المدارس وتنوعت الفرق في العالم الإسلامي، فمن متكلمين إلى متصوفة، ومن شيعيين إلى سنيين، وتحت كل شعبة من هؤلاء طوائف شتى وأحزاب متفرقة. بيد أن هذه المدارس المتنوعة والفرق المتعددة تلتقي في نقط مشتركة ويقوم الخلاف بينها على بعض المبادئ العامة. وقد استطاعت التعاليم الفلسفية أن تنفذ إليها جميعاً، ولكن بدرجات متفاوتة. ففي حين أن الشيعة، وخاصة الإسماعيلية، يتقبلون بقبول حسن كثيراً من الآراء الفلسفية، نرى أهل السنة يقفون من هذه الآراء موقف الحذر والحيطة؛ وعلى هذا النحو يمكننا أن نلاحظ أن المعتزلة يدنون في اغلب أبحاثهم من الفلاسفة، في حين أن الأشاعرة يعارضونهم ويناقضونهم. وقد سبق لنا أن بينا مقدار تأثر فلاسفة الإسلام بنظرية النبوة الفارابية، ونريد اليوم أن نبين إلى أي مدى استطاعت هذه النظرية أن تؤثر في المدارس الإسلامية الرئيسية، وكيف استقبلت من معارضيها ومحبذيها. ولا نظننا في حاجة إلى أن نبين موقف الصوفية منها، فهي بما فيها من تصوف كفيلة بأن تنال حظوتهم، وهي فوق هذا تضع أساساً علمياً لآرائهم ونظرياتهم. وسنقصر حديثنا على المعتزلة والأشاعرة من علماء الكلام، والإسماعيلية والباطنية من الشيعيين

فأما المعتزلة فقد دالت دولتهم تقريباً وانقضى سلطانهم قبل أن تظهر نظرية النبوة الفارابية في ثوبها الواضح وشكلها الكامل. غير أن نظرية كهذه تتلاءم مع نزعتهم العقلية وروحهم الفلسفية، ولا نظنهم، لو أدركوها، كانوا يحاربونها ويقابلونها بالرفض والمعارضة الصريحة، ذلك لأن أكبر مأخذ يؤخذ عليها، كما أسلفنا، أنها تتعارض مع بعض النصوص الثابتة الواضحة، ولكن المعتزلة وقد فتحوا باب التأويل على مصراعيه لن يعدموا الحيلة في التوفيق بين هذه النصوص وبين فكرة تشرح النبوة شرحاً عقلياً فلسفياً. وأما الأشاعرة فقد نصبوا أنفسهم للدفاع عن التعاليم الإسلامية المأثورة، وجدُّوا في تفهمها كما وردت. حقاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>