ليسمح الأستاذ النمراوي أن نؤكد له أن حرية القول في الأدب الأوربي ولا سيما الحديث منه ما كانت لتؤثر في أدباء اللغة العربية بمقدار ما أثرت، وما كانت تحتذي بمقدار ما احتذيت، لولا أن أدباء اللغة العربية تأثروا قبل اطلاعهم على الأدب الأوربي بحرية القول في الأدب العربي، ولا سيما العباسي وما يليه؛ فالشاب الذي يُحثُّ على قراءة دواوين العرب وكتب الأدب ويستوعبها لا بد أن يحتذيها في صراحتها. ألا ترى أن السيد توفيق البكري والشيخ شريف رأيا أن الأبيات التي أشرنا إليها في المقالات الماضية أشياء غير مستنكر شرحها وطبعها؟ فإذا كان شيوخ الدين والتربية يتأثرون هذا الأدب اللغوي المكشوف تأثراً لا يشعرون به، ويجعله مألوفاً أُلفة تمنع الاستنكار، فكيف لا يتأثره الشبان الذين لم تكن لهم سابقة الاشتعال بأمور الدين أو التربية، وربما أطلعوا عليه وهم في سن المراهقة كما يفعل الفتيان والفتيات الذين يستعيرون كتب هذا الأدب من مكتبات مدارسهم. والقارئ المسن يستطيع أن يتذكر فورة شبابه أيام المراهقة، ويستطيع أن يحكم كيف تؤثر قصائد ابن الرومي التي شرحها البكري والشيخ شريف في شهوة المراهق، وكيف تؤثر الدواوين والكتب القديمة المشحونة بأمثال تلك القصائد. وانظر كيف يتغير نظر الشاب المراهق إلى اللائق وغير اللائق مما ينبغي أولا ينبغي الاطلاع عليه عندما يرى أن شيوخ الدين والتربية يعنون بشرح هذه الفحش ويطبعونه له، وعندما يرى أن المدارس تحثه على قراءة الكتب التي طبع فيها وتؤنبه إذا لم يقرأها. ومعاذا الله أن نقول إن البكري أو الشيخ شريف أرادا بالشبان والفتيات شراً، إنهما فعلا ما فعلا على قاعدة أن لا حياء في اللغة وأدب اللغة، وأن الفن يراد للفن لا لما به من الفحش، كمن يستجيد مثلا صنعة أبي نواس البيانية في مجونه لا بسبب حبه للمجون بل لحبه للبيان والبديع. ولكن هل تلوم الشبان إذا تأثروا بهذا الأدب اللغوي المخالف للعرف والتقاليد والآداب والأخلاق الإسلامية وسن المراهقة له حوافز ودوافع؟
وإذا قرأ الشاب بعد ذلك بعض مجون شاعر أوربي كمجون هنري هيني الألماني (وهو كلا