مجون إذا قيس بما في كتب العرب) ألا يرى أن العالم كله الشرقي والغربي يبجل هذا الأدب اللغوي ويعنى بشرحه وطبعه، وأنه إذاً لا ضير عليه من احتذائه؟ وإذا قرأ بعد ذلك قصة عشيق الليدي شاترلي وجد مجوناً كمجون الفحش العربي ولو أنه كتب بطريقة تحليلية علمية أرقى بعض الرقي من فحش ماجِني الدولة العباسية. ألا يرى القارئ أن تأثر الشباب بالأدب العربي مثل شعر بشار بن برد والحسن بن هاني وغيرهما يسهل قبوله للأدب الأوربي الذي يشكو منه الأستاذ النمراوي؟
لكن الأستاذ تجاهل تاريخ الأدب العربي القديم والحديث لكي يستطيع أن يبرهن على أن الأدب القديم غير مخالف للفضائل والآداب والأخلاق، وأن الأدب الجديد أو أدب المذهب الجديد مخالف للشهوات ومخالف للفضائل. والحقيقة أن هذا التقسيم غير حقيقي وغير منطقي، فأدب المذهب القديم به ما يراعي الفضائل والأخلاق وبه ما لا يراعيها، وأدب المذهب الجديد أيضاً به ما يراعي الفضائل وبه ما لا يراعيها سواء بسواء. فكان الأحجى بالأستاذ أن يقسم الأدب إلى مذهب قديم ومذهب جديد، بل إلى أدب فاضل وأدب إباحي في الأخلاق، ثم ينتقد الأقوال لا الأدباء جملة، لأن كل أديب أو شاعر قد يكون له ما يضعه الأستاذ في القسم الأول، وقد يكون له ما يضعه في القسم الثاني. أو لو أراد قصر مقاله على الرافعي لاستطاع أن يقول إن كل أدبه من أدب الفضائل من غير أن يتجاهل تاريخ أدب اللغة كله، ومن غير أن يحكم حكمين كل منهما جائر لما فيهما من التعميم الذي يخالف طبيعة العلماء أمثال الأستاذ، فان العلماء الباحثين ولا سيما علماء الكيمياء والطبيعة يتحرجون من إصدار أحكام عامة بسبب شواهد خاصة معدودة، فلا يقولون إن أدب المذهب القديم هو أدب الفضائل، وإن أدب المذهب الجديد هو أدب الرذائل على وجه التعميم
لكن الأستاذ النمراوي عالم، فلا بد أن فطنته وبحثه قد أوصلاه إلى حقيقة أراد أن يفسرها فبالغ في تفسيرها وأشتط وأصدر هذه الأحكام العامة. ومن أجل أن نتتبع تفكير الأستاذ ينبغي أن ننظر إلى الفرق الحقيقي في أدب المذهب القديم وأدب المذهب الجديد من حيث الروح. إن الأدب القديم وصل في عهده الأخير إلى أدب احتذاء لا أدب اجتهاد، ونعني بالاجتهاد الاصطلاح الفقهي لا المعنى اللغوي، فأن نصيبه من الاجتهاد كبير إذا أريد