المعنى اللغوي للاجتهاد. وهذا هو الفرق الحقيقي بين اجتهاد أدباء المذهب القديم واجتهاد أدباء المذهب الجديد؛ فالمذهب الجديد يريد بحث النفس وعواطفها وشرائعها وسننها، لا قصر البحث على شهواتها، ولا رغبة في إطلاق هذه الشهوات من عقالها كما يقول الأستاذ. فبحث النفس يقتضي بحث جانب الإيمان منها كما يقتضي بحث جانب الشك؛ ولكنه الشك الذي يبعثه الإيمان، وهو الشك الذي يبحث عن أمل للإنسانية في هذه الحياة وبعد هذه الحياة، والذي يحاول أن يداوي شرور الحياة ما استطاع الإنسان ذلك. وهذا الشك لا يستقيم لمن كان قلبه غير عامر بالايمان؛ والشاعر لا يكون شاعرا إلا بمثل هذا الإيمان الملِحْ العنيف الذي يريد أن يزكي نفسه. وهذا أول أسباب سوء الظن بهذا المذهب. وثانيها أن الاجتهاد شبه الفقهي في تفسير الحياة وعوامل النفس قد يشط أحيانا. وقد أقفل باب الاجتهاد في الفقه النفسي والفكري لم يقفله المذهب الجديد. فخصائص المذهب الجديد الروحية هذه أي الرغبة في بحث جوانب النفس والحياة واستئناف اجتهاد الفقه الفكري والروحي هي خصائص يشط معها الأديب في بعض الأحايين، ويكون شططه في عهد الصبا أكثر، إذ تكون خبرته قليلة واندفاعه عظيماً. ثم أن بعض الأدباء قد تشط بهم هذه الخصائص دائما شططا بعيداً؛ ومن أجل ذلك ليس من الحق أن نسلك جميع الأدباء في نظام واحد. ألا ترى أن الأدب الأوربي الحديث يشمل نزعات مختلفة كل الاختلاف منها ما يحدث صلة بينه، وبين الأدب الأوربي في العصور السابقة، ومنها ما ينأى به عنها؟ فحكم الأستاذ النمراوي على المذهب الجديد كمن يحكم حكماً عاماً واحداً على الأدب الأوربي الحديث على اختلاف نزعاته الذي يشبه اختلاف نزعات الأدب المصري الجديد من أجل أن أساس تلك النزعات واحد وهو بحث التجارب النفسية والفكرية؛ فمن الأدباء من يبحثها على طريقه المعري، ومنهم من يبحثها على طريقة شكسبير، ومنهم من يبحثها على طريقة أدباء الرمزية. . . الخ. وكما أنه ليس من الحق أن يحكم الأستاذ حكماً عامّاً على أدباء المذهب القديم (وبينهم تفاوت في الروح)، ولا من الحق أن يحكم حكماً عاماً على أدباء الأدب الجديد، فليس من الحق أن يحكم حكماً عاماً على الشاعر أو الأديب الواحد، فإن الشاعر نفس وللنفس مظاهر مختلفة تقتضي تفصيل الحكم عليها ما دام لا يحكم على قول أو عمل واحد، أو عليها في حالة أو زمن خاص وليس من الحق أيضاً أن يُغْفِل الأستاذ أثر