للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حرية القول في الأدب العربي الذي شرحناه في أول هذا المقال، ولا من الحق ألا يرى أن حرية القول الناشئة من إطلاق الشاعر نفسه من القيود أثناء البحث شططا منه لم يأت بأشنع من الأمثلة التي ذكرناها للأستاذ من الأدب العربي، بل لعلها أقل شناعة؛ وهي على أي حال ليست من لوازم أي مذهب، فمثلها في آداب العصور والأمم موجود، وواجب الناقد أن يميز بينها وبين الصالح من قول الأديب أو الشاعر. ومما يدل الأستاذ على أن الأدب المصري الحديث خليط من القديم والجديد أن أحدهما يلقى زميله فيسأله هل أنت من أنصار المذهب القديم أم من أنصار المذهب الجديد؟. كأن الحكم ليس لما يؤلفه الأديب من شعر أو نثر، وكأنما يصح أن يكتب الأديب على طريقة المذهب الجديد ويختار أن يعد من أنصار القديم أو العكس. لكن هذا السؤال له معنى وقيمة؛ إذ هو دليل على الحيرة من أجل أن أدب كل أديب خليط من مؤثرات الأدب العربي في عصوره المختلفة والأدب الأوربي أيضاً؛ وإنما هذا الخليط عند كل واحد باختلاف مقادير عناصره. ومن الأسباب التي تدعو إلى سوء الظن بالأديب الجديد علاوة على ما ذكرنا، ما يقرأ منه أحياناً من سخر وتشاؤم، وقد يكون فيهما شطط، وقد يحسبان من قلة الإيمان، ولكنهم قد يكونان من الإيمان الحائر في وجوه الكون والحياة الذي لم يوهب نعمة الأستقرار، وهي حالة تعرض لكثير من النفوس فلا يستطيع تجنب وصفها كل التجنب. وإذا نظر الأستاذ إلى ما ينشر في الصحف والمجلات والكتب في جميع الأقطار العربية من شعر ونثر وجد في تباين أبواب القول الذي يترك جانباً من النفس والحياة لم يحاول نعته، ما يدل الأستاذ على أن هذا التنوع هو خصيصة الأدب الحديث، وهو يشمل ما يشكو منه الأستاذ، ولكنه أعم مما يشكو منه، وقد صار هذا التنوع في الأدب وشموله بحث نزعات النفس وجوانب الحياة قاعدة عامة في آداب العالم كله؛ ولا يمكن إعادة عقارب ساعة الزمن إلى ما كانت عليه في الماضي للقضاء على ما يشكو منه الأستاذ. فإذا أراد أن يظفر بتطهير الأدب كان الأحجى به ألا يتعصب لقديم ولا لجديد، وأن يأخذ من الجديد على تنوع أغراضه وأبوابه ما لابد لإشباع مطالب النفس والفكر في عصر تعددت فيه مطالبهما وأصبحت كمد النهر في فيضانه، وألا ينتقد هذا الأدب الجديد بالجلة كي يصيب سامعاً مجيباً إذا هو قصر نقده على ما في هذا الأدب الجديد من شطط، وأن يتخذ في نقده هذا الشطط طريقة التحليل النفسي والإلمام

<<  <  ج:
ص:  >  >>