تحتشد مصر اليوم في عاصمتها القاهرة لتحتفل بذكرى يوم الحرية بعد نصف عام! ويوم الحرية أو يوم ٢٣ يوليو سنة ١٩٥٢ هو يوم مصر الأوحد في تاريخها العريق في العبودية، العميق في الأوتقراطية، منذ أن رفع (مينا) إلى العرش، إلى أن خلع (فاروق) من الملك.
كان الشعب المصري طيلة هذه القرون الاثنين والأربعين التي مرت على وجوده في هذه الأرض، أشبه بقطيع من السوائم، لا إرادة له في نفسه، ولا قيادة له من جنسه؛ وإنما كان يتولى قيادة رعاة طغاة، سموا أنفسهم آلهة أو ملوكا أو ولاة. سخروه ليظلموه، واستغلوه ليحرموه. ولم تعصيه هداية الدين من عبث خليفة كالحاكم، ولا مدينة العلم من فجور ملك كفاروق؛ حتى اجتمع على إذلاله واستغلاله في عهده الأخير، ما لم يجتمع عليه في دهره الطويل، من سلطان العواهر من نساء البلاط، وطغيان الفجار من رجال الحكم، وبغي المترفين والمسرفين من الأمراء والإقطاعيين رواد وعباد المنكر. فعصفت النخوة في رؤوس الأحرار من قادة الجيش، فهبوا هبوب العاصفة الخيرة المدركة: صواعقها الماحقة للقصور الطافحة بالرذيلة، وللكرسي الغائصة في الوحل؛ ورياحها العاتية للجذور التي نخرها السوس، وللفروع التي أصمها الهوى، وللبصائر التي أعماها المال؛ ويروقها الوامضة للقلوب التي أظلمت من الياس، وللنفوس التي زاغت عن الطريق؛ وأمطارها المحيية للثرى الذي جف فلا ينبت، وللشجر الذي ذوي فلا يثمر.
وهكذا عاشت مصر في خيرة هذه العاصفة المعمرة المصلحة ستة أشهر اندفعت فيها إلى الأمام اندفاع القوة المضغوطة المكظومة: تنفجر انفجار البارود فتمحق، وتنطق انطلاق السهم فتلحق!.
فإذا احتشدت مصر كلها بطبقاتها وطوائفها لهذا المهرجان فإنما تحتشد لتحتفل بتحررها من رق أغرق في القدم حتى طمس في نفوسها معاني الحرية والعزة والاستقلال والكرامة!.
وشتان بين هذا المهرجان ومهرجانين أقيما من قبل: مهرجان يوم تزوج المخلوع بإرادة شعبه، ومهرجان يوم تزوج بإرادة قلبه. كان هذان المهرجانان من صنع السيادة والقوة، أنفقت فيهما مئات الألوف من أموال الأمة لتغرق القصور الملكية في القصف وللذة، وتمتلئ الخزائن الملكية بالذهاب والماس! وافترضت الحكومة (الملكية) هذه القرصنة