كان للفصول التي كتبتموها في النقد أثر كبير في كشف غوامض العلل التي أصابت الأدب والنقد معاً، وما أراني تكلفت الصبر في شيء كما تكلفته في انتظار (الرسالة) حين كتابة هذه الفصول. وإني لها لعلى انتظار واشتياق
كتب الأستاذ الزيات مقالين في (الرسالة) افتتح بأحدهما باب النقد واختتمه بالآخر، وكانت بينهما معركة، وكانت بينهما نفحة من نفحات النصر الجميل تخطَّر لها الأدب، وانتعش بها النقد، والتذت بها الفكرة؛ حتى إذا تمتع الطرف، وأرهف الحس وثارت العاطفة علا هُتاف الإلهام يقول: ألا إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها
كتب الأستاذ أحمد أمين مقالين ألقى فيهما مسؤولية النقد على الشيوخ ردَّ في غضونهما الدكتور طه حسين على الأستاذ الأمين؛ ثم كتب الدكتور هيكل فصلاً رمى فيه تبعة النقد على الشباب، ثم ختم الأستاذ الزيات مقاله قائلاً:(الحق إن ركود الأدب وفوضى النقد لا يرجعان إلى الشيب ولا إلى الشباب، وإنما يرجعان إلى تهريج الصحف وكسل الكتاب)
وأنا لا أجد بأساً من التعليق المجمل على ما كتبه السادة الأدباء في هذا الموضوع، لا لأني سأزيد على ما كتبوه شيئاً لم يكن، وإنما هي كلمة الأستاذ الزيات أثارت في نفسي شيئاً حملني على الكتابة، ووجدتني مضطراً إلى التعبير عن هذه الثورة، وألجأتني إلى الخجل والاستحياء من أساتذتي الكرام، حيث كتبت فيما يكتبون، في حين أن البون شاسع بيني وبينهم؛ غير إني لم أنس أيضاً أن للتلميذ حقاً كما أن للأستاذ حقاً، ولكل منا مقام
أبدع الأستاذ الأمين فيما كتب؛ غير أني أعتقد أن علة النقد ترجع إلى أساسين اثنين: أحدهما العلم، وثانيهما الخُلُق. فأجاد هو في شرح أكثر الأول، ولا أدري علامَ أرجأ الثاني. إنه سطوة الهوى، وفتنة الغرور، وغلبة العاطفة
إن الأدب والذوق والعلم عدة النقد الكافية، وإن هذا الأدب والذوق والعلم ليثقف العقول ويرهف المشاعر، وإن هذه العقول وهذه المشاعر لتبدع النقد، وتجيد التمحيص، وتعرف موضع الداء والدواء. وبقي أن نعرف أن هذه الملكة الأدبية الصافية قد تتحوّل عند النقد