للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رغبات الأدب في العهد الجديد]

ورغبات الأدب هي الخوالج القدسية العليا للشعب الكريم؛ تتمثل في عقله نزوعا إلى الحق، وفي نفسه طموحا إلى الخير، وفي ذوقه صبوّاً إلى الجمال. فإذا أتيح لها نفس من الديمقراطية وفرج من الحرية وروح من العدل، سطعت في أرجائه وأجوائه سطوع الأرج المنعش، فنضّرت الحياة وعطرت الأرواح وطهرت الأنفس، وإلا ذوت في مناشئها ذويّ النبات المكروب والأمل المخيب. وفي هذا العهد الجديد الذي انتعشت فيه عواثر المنى، وانفسحت به مناحي الجد، يحاول كل عامل من عوامل الرقي أن يستعيد قوته ويستفيد كماله. والأدب المصري ظل إلى اليوم فريسة الإهمال والفوضى؛ يكابد طغيان السياسة في استسلام، ويجاهد سطوة الجهالة في يأس، ويقاسي مضض الحرمان في ضراعة؛ وأولو الأمر يقابلون جهده بالاستهانة، ويكافئون بره بالعقوق، ويستغلون سلطانه في الصحف وعلى المنابر، ثم لا يدخلونه في الحساب يوم الغنيمة.

هاهم أولاء رجاله الصابرون البواسل، يؤدون رسالة الروح المضنية وقرائحهم المجهودة تنضح بالمداد كما تنضح الجباه الناصبة بالعرق، والصدور المحاربة بالدم، ثم لا يلقون ممن يحملون لهم الشعلة إلا ما لقي أصحاب الرسالات من الكفران الغادر والخذلان المهين. وما حال الأدب في الأمة الأمية، إلا كحال النبوة في الأمة المشركة، إذا لم يكن له سند من الله وعون من الحكومة ذهب ذهاب المصباح في عواصف البيد المظلمة. فالأديب المضطر إنما يشقى للقوت لا للفن، ويسعى للشهوة لا للمجد، وينتج للحاضر لا للمستقبل؛ وإذن لا يكون الأدب إلا كما نرى: بخس في الكيف، ونقص في الكم، وشعوذة في الوسيلة، وإسفاف في الغاية

يرغب الأدب إلى أولياء العهد الجديد أن يبسطوا عليه ظل الحماية، فما يستطيع اليوم لضعف دولته وجهل رعيته أن يستقل. يرغب إليهم أن يقوه تضييق الحرية ليتسع فكره، ويكفوه تمليق الجمهور ليسمو إنتاجه؛ فان العبث بحرية الرأيتعطيل لموهبة العقل وإفساد لفطرة الله وصد عن سبيل التقدم. ومزية الإنسان الحر في الحكومة الحرة أن يقول ما يعتقده صوابا، ويفعل ما يراه حسناً، ما دام هنالك دين يردع غواية النفس، وقانون يحبس عنان الإرادة. وان إذلال الأدب لشهوات الناس وضرورات العيش إضعاف لملكة الذوق وتدنيس لنقاء الضمير وتشويه لجمال الإلهام؛ ورقي الأدب قائم على استقلال رأيه ونبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>