للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إن هي إلا أسماء]

للأستاذ عباس محمود العقاد

في ليالي القمر، وفيما بين الخريف والشتاء، ليس أجمل ولا أروع من مشية طويلة في صحراء (ألماظة) أو ما يليها من الطرق المعبدة بين الحدائق والرمال

هاتيك ليالٍ تسبح في بحار من سحر النور وسحر الصحارى وسحر التاريخ، بل النبوة إن صح ما قيل معززاً بالأسانيد أن موسى عليه السلام تلقى العلم هو وبنتاءور ونخبة من الحكماء والعظماء بجامعة (أون) في هذا الجوار، على أزمنة مختلفات

وما أذكر أنني مشيت في هذه الطرقات مع أحد إلا سألني: على اسم مَن من العظيمات أو الجميلات سميت هذه الصحراء بالماظة؟ وما معنى كلمة الكربة أو القربة أو القربى التي يطلقها الناس على الطريق المؤدي إليها من غير طريق قصر البارون؟

ومجال التخيل أو مجال العبث هنا فسيح

أما مجال الصدق والتحقيق فهو لا يتسع لأكثر من سطور: ألماظة هي (المجزا) أو الـ بالإيطالية ترجمة للمخزن بالعربية، والكربة أو القربى كما يكتبها بعضهم هي الـ بالإيطالية ومعناها (المتحني) أو المتعرج كما يترجمها زميلنا (المرصفي) رحمه الله لو سئل فيها

وقد نعلم أن بعض المهندسين والمفتشين في ترام مصر الجديدة كانوا عند نشأتها من الطليان، وكانوا يتحدثون عن المخزن فيقولون (المجزا) وينطقها العمال بعدهم (المازا) أو ألماظة على سبيل التصحيح، وخير من ذلك أن يقال على سبيل التغليط!

وكانوا إذا ذكروا المحطة الأخيرة قبل مدخل ألماظة ذكروا (الكرفا) أو موضع الانحناء فينطقها العمال بعدهم (الكربة) ويعربها بعضهم (بالقربى) على سبيل الحذلقة أو التحريف

فهذا هو الجد في أصل (ألماظة) و (الكربة) في غير تخيل ولا عبث ولا اختراع

أما مجال التخيل والعبث فكما قلنا فسيح، وكما يستطيع كل مخترع أن يخترع باب على صحراء!

ونحن نعرف الذين يسألون فيجيبون ولا يسكتون، ونعرف الذين يخلقون الأسماء أو يخلقون القصص والتواريخ حول الأسماء، فلو سئل واحد من هؤلاء: ما ألماظة؟ ومن هي رحمها

<<  <  ج:
ص:  >  >>