ونشر ملتن في مارس سنة ١٦٤٥ كتيبا أخر بعنوان (تتراكوردون)، وفيه تعرض للفقرات الأربع الشهيرة المتصلة بالطلاق في الإنجيل، وراح يفسراها أو يؤلها حسبما يذهب إليه من رأي في الطلاق، وقد تعسف في ذلك ولقي عسرا شديدا، ففي نفسه من الآراء ما يخالف كثيرا مما ذهب إليه مفسرو الإنجيل الأقدمون ومن أخذ أخذهم من المحدثين، وهو في الوقت نفسه يريد أن يستند إلى الإنجيل ويتخذ منه سلاحه.
ويجمع هذا الكتيب كما يجمع سالفه (قانون الطلاق ونظامه بين العبارات المنطقية الجافة العسيرة، وبين الفقرات العاطفية البليغة التي يصل فيها ملتن إلى ذروة الجمال الفني في النثر حتى ليجعل التي ناقدا فذا مثل مكولي يقرر أنه يصل من البلاغة في كثير من نثره هذا إلى ما لا يتقاصر عن مستوى شعره في أعلى نسق آه. والحق أنه ملك ناصية البيان، إذ عاد يصور في هذا الكتيب حال الزوجين منيا بالفشل في زواجهما. تجد ذلك في مثل هذا القول: (انهما يعيشان كما لو كانا ميتين، أو كما لو كان بينهما عداء قاتل، وهما بعد في قفص معا)؛ وفي مثل قوله:(أن العقل الذي لا يوافق عقولنا أبدا، والذي هو دائما على نقيض ما نذهب اليه، انما يسلمنا إلى حالة هي أسوا من العزلة في اشد وحشتها) وفي عبارة كهذه: (هذا الحارس المخيف القائم على الباب لا يلبث وقد جر الرجال واعقل من في الرجال، وانتظمهم بخداعه القاهر في سلك الزواج الفاشل، أن يغلق أبواب الجب عليهم، فلا رجعة منه كما لا رجعة من القبر). وفي مثل هذه الفقرة إذ يقول:(تعلق بزوجة، ولكن على أن تكون زوجة، لا أن تكون عدما أو عدوا أو هاجرة تعتزلك، أيمكن أن يبلغ قانون من البعد عن العقل كأن يدعوك لتتعلق بالكارثة والدمار والفناء؟)