عقيدة خلود الروح من العقائد الغامضة المغلفة بالأسرار، ولذلك فقد لقيت على مر العصور نقداً عنيفاً، وطعناً جارحاً. ولعل أقسى ما وجه إلى هذه العقيدة من حملات، تلك الحملة الشديدة التي شنها عليها الفيلسوف الألماني أرنست هيكل في الفصل الحادي عشر من كتابة (لغز الكون) وقد انتهى هذا الفيلسوف من نقده إلى القول بأن (الإيمان بخلود النفس الإنسانية إنما هو عقيدة تتناقض تناقضا صارخاً مع الحقائق التجريبية الثابتة للعلم الحديث). ولكن خلود الروح - على الرغم مما أدلى به هيكل وغيره من الفلاسفة - لا يزال حقيقة عزيزة على الإنسان. وحسبنا أن نقرأ ما كتبه الأستاذ زكي نجيب محمود بعدد الرسالة الممتاز تحت عنوان (هجرة الروح) لنتحقق من أن الإنسان لا يسعه أن يطلق هذه العقيدة، ولو قام على بطلانها ألف دليل! وإذا كان فولتير يقول لنا (إننا إذا فكرنا في البرغوث لم يخطر ببالنا أن له نفساً خالدة؛ فلماذا إذن أعتقد أن لي نفساً خالدة؟ لماذا يتملق الناس أنفسهم ويغترون بأنهم هم وحدهم الموهوبون بعنصر الخلود والروحانية؟ لعل السبب في ذلك زهوهم المفرط. وإني أشعر أنه لو كان الطاووس يتكلم لأعرب عن إعجابه بنفسه، وادعى أن مكان النفس من جسمه هو ذنبه الجميل!) إذا كان فولتير يقول هذا؛ فإن في استطاعتنا أن نرد عليه فنقول:(أليس أمل الإنسان في خلوده بعد الموت دليلاً على خلوده؟ إن رغبة الإنسان في الطعام ما كانت لتوجد لو لم يكن الطعام موجوداً. فالزهرة والنملة فانيتان وهما لا تنشدان خلوداً، أما الإنسان فراغب فيه ساع إليه، ويستحيل أن يكون له ذلك ما لم يجد في فطرته وجبلته ما يوحي إليه أنه خالد)
أجل، إن العقائد لا تبنى فقط على العقل، ولكنها تبنى أيضاً على الشعور، وقد فطن إلى هذا أحد الباحثين - وهو سترلانج - فقال: (إنني أعلم علم اليقين أنه ليس يكفي أن أرغب في امتلاك القمر، لكي ينعطف إلى هذا القمر، كما أنه ليس يكفي أن أصبو إلى مجد نابوليون لكي يسعى إلى هذا المجد، ومع ذلك فإني أقول إنه يكفي أن أرغب في خلود النفس لكي يكون هذا الخلود حقيقة ثابتة لها وجود. فما هو الفارق إذن؟ إنه لفارق كبير، وبيان ذلك أن الرغبة في نيل القمر، والطموح إلى مجد نابليون، لا يعدو كل منهما مجرد