تقولين إن حياتك الزوجية مقرونة بالسعادة، إلا انك كثيراً ما تعقّبين على ذلك بقولك إن الهموم والمشاغل تعمل على إقصاء أسباب هذه السعادة حيناً، وتفلح في القضاء عليها حيناً آخر، وإن جلبة الأطفال وضوضاء ثرثرتهم وهذرهم وطياشتهم الصبيانية تجهد هذه الأعصاب التي أرهقتها من قبل واجبات واهتمامات عديدة تبهظ الذرع، وتعيي الطوق، وتزحم سوانح الفراغ النادرة، وتجتاح نطاق الوقت الضيق. وكأنك تنسين أيتها الأم الفنية، أن رجال الفنون الكبرى، وهي الرسم والنحت وهندسة البناء والموسيقى والشعر، كذلك كانوا يشتغلون، وفي مثل هذه الحالات كانوا يجدُّون ويعملون، بل كأنك تجهلين أنك تفوقين هؤلاء الفنانين جميعاً، لأن أعمالهم الفنية مجالها العالم الماديّ، أما عملك أنت فمجاله رحاب الحياة البشرية بأسرها
ولعمري كيف لا يعرف العالم أن النحيب على الأمومة والتفطر لها، يحقران شأنها ويقوضان سرادق مجدها! وهل كان بركليس يطلب من الملأ الرحمة والرثاء لأنه بفضل جهاده ومصارعته الصعاب جعل لأثينا السيادة العليا في البر والبحر، وصيّرها مجد العالم؟ وهل كان ميكال انجلو يصيح طالباً الغياث والنجدة مما عاناه مدة سنتين قضاهما مضطجعاً فوق ألواح خشبية مشدودة إلى السقف ليتمكن من رسم قبة معبد (السيستين) في الفاتيكان؟ وهل كان رفائيل يسأل الناس الرأفة، ويجعل من ينظرون إليه يستشعرون مسّاً من الشفقة عليه، والتفجع لكفاحه الطويل المضني الذي جاءه أخيراً بصورة السيدة مريم العذراء وابنها الطفل؟!
إن كتب السيِّرَ لا تتوجع لجهاد أولئك الأقطاب، ولا تتبعهم بإحساس حار من العطف الباكي المحزون، والحنو الدامي المستحرق، بل إنها تتبين في صبرهم على المشاق عناصر رجولة نبيلة أبيّة أوغلت في ميادين العزم والشجاعة وعلوّ الهمة، وغذّت مواهبهم بقوة الإرادة، والقدرة على تذليل الصعاب، فزادتهم بذلك فضلاً على فضل، وأضافت إلى ظفرهم فلاحاً وعزّاً
ولكن هل تمكن المقارنة بين الموادّ التي يستخدمها الفنان لتدوين تعبيراته الفنية، ورسم كل