للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ما يقع تحت حسه من ألوان وظلال وأوضاع وانفعالات، وبين ما تتناوله الأم من المعنويات السامية الزاخرة بالممكنات التي تستطيع هي وحدها أن تستشفّها وتفسرها، وتبحث في ثناياها عن أحب الأشياء وأنقاها، وتحضها على استغلال أشرف ما أودع في القوى البشرية وتروضها على التحلي بأكرم الأخلاق الإنسانية، والتمسك بخير ما فيها من سجايا الطهر، التي تنيل الحياة عمقاً واتساعاً، وتكسبها نبلاً ومجداً وكرامة وسعادة

أجل. إني أراك في أحايين، توسعين لنفسك مجال التفجع، حين تجمحين في الإشارة إلى المتاعب التي تلقينها في العناية بأسرتك الصغيرة، والاهتمام بمطالبها التي تستنفد وسعك كله، وتهدّك وتطيّر النوم من عينيك، ولست أنكر أن هذا الاهتمام يستنفد الجهد حقاً، ولكن أليس محبباً إلى النفس؟ وأي شيء يفيض على حياة الفرد جمالاً أعظم من جمال العمل الحيوي الذي يقتضي الاهتمام المستفيض ويستغرق الجهد المستطيل الملهوف على مساكه وقوامه؟ وعملك من أعظم الأعمال في الحياة، وما الذي يجعل للحياة قيمتها؟ أليس هو شعور الفرد في كل صباح بأن مهمة خطيرة موكولة إليه، وأمراً جليلاً موقوف عليه دون سواه؟ وهذا الشعور يا سيدتي هو الذي ينبض بالاهتمام - الاهتمام الخالي من الهاجس والبلبال والتأرق، والمفعم بإدراك أهمية الواجب والمسؤولية. وإنها لحياة حقيرة تلك الحياة التي لا نعرف فيها قداسة الواجب والجد لتحقيق غاية مجيدة! بل إنه لوجود وضيع خسيس، ذلك الوجود الذي يكون فيه الفرد منفعلاً شيء فيه، دون أن يكون لبعض شؤون الحياة الحق فاعلاً. أو ليس من دواعي الغبطة إذاً أن تعرفي قيمتك من هذا العالم الوسيع الرحيب، ونصيبك من واجب الخدمة فيه؟ بل أليس من دواعي الفخر أن توقني من أن لك أنت فيه حياة أعلى من هذه وواجباً أجل وأكرم، وقد ائتمنتك الروح الكلية على أدائه. . فهل تبغين سواه؟ أتريدين أن تقومي بإلقاء الخطب والمحاضرات؟ أو أن تشغلي وظيفة في بعض المصالح والمؤسسات؟ أو تكوني رسامة مجيدة تحبو الناس بقبسات باهرة من مخيلتها المبدعة، وريشتها المبتكرة، وروحها المقتبسة، ونفسها الحساسة؟ ومع ذلك فهل تخلو هذه الصناعات والوظائف مما يفرض العناية ويستلزم الاهتمام، لو راعيت الأمانة والدقة في أدائها؟ ولست أريد أن أنتقص من قدرها بما أذكره في صددها الآن وكلها جليلة نبيلة تليق بأن تستغرق حياة من لم تنتدبهن السماء لذلك الواجب الأقدس، أو من أكملن

<<  <  ج:
ص:  >  >>