أنا أكتب هذا المقال عن (بيجو) وهو ينظر إلي، ثم يذهب ويعود ليطل مرة أخرى ولا يدري أنني أكتب عنه وأشيد بذكره؛ وكل ما يدري أنني جالس في هذا المكان الملعون الذي يحب كل مكان في البيت غيره، وهو كرسي المكتب.
ففي كل مكان في البيت يراني مستعداً لملاعبته واستجابة نظراته، والتفرج على فنونه وألاعيبه وقفزاته، أو يراني مستعداً للإشارة إليه واستدعائه فإذا هو واثب وثبة واحدة إلى حيث يستوي على مكانه بجانبي، ويغريني بملاطفته ومجاملته أن أبذل له الملاطفة والمجاملة وأحييه بعبارات التودد والمجاملة.
ينتظر مني ذلك في كل مكان إلا كرسي المكتب. . . فإذا جلست إليه لأكتب أو لأقرأ فهو حائر لا يدري ما يصنع: يدنو من الكرسي إلى مسافة قصيرة، ثم يرفع رأسه وينظر، ثم يعيد النظر كرة أخرى، ولعله يسأل نفسه: ما بال صاحبي لا يناديني ولا يجيبني؟ وما بال عينيه تتجهان أمامه وقلما تتجهان ناحيتي؟ فإذا طال عليه التساؤل والترقب رجع أدراجه وغاب هنيهة ثم عاد إلى المكتب يترقب كلمة النداء، أو نظرة الاستدعاء، أو لمسة التربيت والاحتفاء؛ ولا يزال كذلك حتى ييأس ويسأم فيولي وجهه شطر ألعوبة يتلهى بها، أو شغلة أخرى من الشواغل البديعة التي يفرضها على نفسه ولا يفرضها أحد عليه، وأولها حراسة الباب والعواء على من يصعدون السلم أو يهبوطنه!
وقد تبعني اليوم إلى المكتب ونظر إلي قليلا ثم غادر المكان الملعون يائساً عابساً دون أن يلح في الانتظار والمناورة، لأنه تعلم بالمرانة الطويلة أن الانتظار في هذا المكان لا يفيد، وأن الكلب العاقل الرشيد هو الذي يغادر مكان الكتب والأوراق بغير تدبر ولا تأمل ولا إطالة. والحق معه حتى في آراء الأناسي العقلاء الراشدين!
وقد أردت اليوم أن أدهشه وأخلف عادته فرفعت رأسي من الورق في بعض جيئاته وصحت به منادياً: بيجو! بيجو! تعال. . . إن كتابتي اليوم تعنيك. ألا تريد أن تقرأ ما كتبت؟ فوجم ولم يكد يصدق أذنيه. وتردد لحظة، ثم قفز إلى الكرسي فالمكتب حيث الورق الذي أخط عليه هذا المقال. . . كأنه يريد حقاً أن يقرأه ويستطلع ما فيه، وكأنه لا يفضل