بالعقل والرشد أولئك الآدميين الذين يعنيهم ما يكتب عنهم الكاتبون كما ظننته لأول وهلة! ولكنه ما لبث أن أخافني من أسلوبه في القراءة والمطالعة، لأنه هو والتمزيق في عرفه شيء واحد. وهل هو بدع في أسلوبه وهذا شأن كثير من الآدميين الذين أكتب عنهم؟ فنحيته برفق وحملته إلى الباب وأرسلته في الدهليز، وعدت إلى المكتب فأقفلته ولا أزال أسمع نباحه يلاحقني بلهجات تتراوح بين الاستغراب والشكاية والسباب!
ويجب أن أعترف للقراء بأن كلبي (بيجو) ليس بكلبي على التحقيق، ولكنه كلبي في شريعة الدعوة والاغتصاب، أو هو كلب صديقي العزيز (فيفي) الذي لم يجاوز السنتين إلا منذ شهرين، ولا أخاله إلا مطالبي به قريباً بعد أن زال الموجب لإقصائه وهو انحراف صحته في موعد التسنين، وفيما أصابه على أثر ذلك في مصاب أنقذه الله من خطره الشديد.
والأصل في المصائب أن تجمع بين الأصدقاء لا أن تفرق بينهما كما افترق فيفي وصديقه بيجو. . . ولكن اللوم في هذا الافتراق على صداقة بيجو دون غيرها - أي على إفراطه في الصداقة لا على تقصيره فيها - فمعاذ الله أن يتهم كلب بخيانة الأصدقاء
كان بيجو يرى (فيفي) على سريره ساكناً من التعب والإعياء فلا يحسب أن شيئاً تغير بينه وبين مولاه، ويقفز إلى السرير ليعرض خدماته التي لا يكل عنها ولا يتوانى فيها، وهي المواثبة والملاعبة واصطناع العض والمصارعة، ومولاه في شاغل عن ذلك ولكنه هو لن يقبل العذر ولن يعرف شاغلاً أهم من تلك الخدمات المرفوضات.
وإذا أقبل الطبيب وصرخ (فيفي) من مقاربته وجسه وفحصه كما يصرخ جميع الأطفال من جميع الأطباء فما هي إلا لمحة كأسرع ما يكون لمح البصر وإذا بأنياب (بيجو) توشك أن تنغرس في ساق الطبيب الذي يعتدي على مولاه بما يبكيه!
أما إذا ربطوه اتقاء لهذه المفاجآت فلا راحة ولا قرار في البيت كله، لا لمولاه العزيز ولا للنائمين حوله أو الساهرين عليه
لهذا عوقب (بيجو) على إفراط صداقته بالنفي من جوار مولاه في أثناء توعكه وانجراف مزاجه، ورضيت أنا أن أتولى مؤاساته وحراسته أيام منفاه، حتى تنجلي الغاشية فيعود إلى مأواه